.. بل أصبحت أشلاء

عبد الناصر سلامة السبت 20-02-2016 21:44

ربما لم تشهد مصر خسائر مادية وبشرية مثلما شهدت في 5 يونيو 1967، و25 يناير 2011 حتى الآن، وبالتالى فمصر لم تكن أبداً أشلاء مثلما كانت في أعقابهما، هما هزيمتان بكل المقاييس، مادياً ومعنوياً، رغم الفارق الكبير بين الحالتين، ففى الأولى كانت الهزيمة على يد عدو غاصب للأرض، وفى الثانية كانت الهزيمة على يد أبناء الوطن، المسؤولين عنه، الذين رأوا في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية أضغاث أحلام، فقفزوا على المشهد، لأسبابهم الخاصة التي لا علاقة لها بالمطالب الثلاثة، لكن الملاحَظ أن المهزوم في الحالتين واحد، هو الوطن، وأيضاً المسؤول عن الهزيمتين واحد.

هذه هي الحقيقة، 44 عاماً تفصل الهزيمتين، رغم ذلك فإن المهزوم لايزال يكابر ويعاند، ويرى أنه الأحق بكل شىء وأى شىء، هناك مَن يرون أنهم أسياد البلد، على حد تعبيرهم، وهناك مَن يمارسون هذا الاعتقاد على الطبيعة، وهناك الكثير ممن يتطلعون إلى هذه وتلك، فبعد أن أصبحت أشلاء لم يتوقف الأمر على هؤلاء وأولئك، بل وصل الأمر إلى من نسميهم «أمناء الشرطة»، أصبحوا في ظل هذه الأوضاع يطمعون في قطعة من الأشلاء، ولِمَ لا؟ فالتقطيع والتمزيق كان بحضورهم، ومن خلالهم، ومَن حضر القسمة فليقتسم.

بالفعل أصبحنا أمام صراع واضح على الأشلاء، ليس صراعاً على مصر، أو على حكم مصر، أو على أي أمر يستحق، باختصار: مَن يقهر مَن، مَن يهزم مَن، مَن يفرض إرادته على مَن، أبوإعدادية، أم أبو50%‏، أم أبو98%‏، السلطات الثلاث، أم السلطة الرابعة، أم السلطات الجديدة التي فرضت نفسها على الساحة، الأحزاب، أم النشطاء، أم رجال الأعمال، مراكز قوى جديدة، كثيرة وغريبة، ظهرت في المجتمع، على أنقاض الأشلاء، بالتأكيد لم نكن أشلاء أبداً مثلما هو الحال في هذه المرحلة، التي أصبحت فيها المرأة المصرية متهمة في أعز ما تملك، وهو الشرف، ليس ذلك فقط، بل أصبح هناك مَن يطالب بحذف المادة التي تُجرِّم ازدراء الأديان من الدستور.

قد يرى البعض أن حالة الأشلاء هذه صناعة رسمية تُطيل من عمر أي نظام، وقد يراها البعض الآخر بداية انهيار عام، بينما يراها بعض ثالث ظواهر طبيعية في المجتمعات المتخلفة، إلا أنها في كل الأحوال تؤكد أننا لم نكن أبداً أشلاء مثلما هو الحال الآن، لم نكن أبداً مهددين في قطرة الماء مثلما هو الحال اليوم، ولم نكن أبداً نسعى إلى مياه الصرف مثلما هو الحال اليوم، كما لم تكن المنطقة تعيش على صفيح ساخن مثلما هو الحال اليوم، ولم تكن طبول الحرب تدق في كل مكان من حولنا مثلما هو الحال اليوم، بالتأكيد هي مرحلة الأشلاء بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

ماذا فعلنا كى نلملم أشلاءنا؟ هذا هو السؤال الذي ظل للأسف بلا إجابة على مدى خمسة أعوام مضت، لا أحد يسعى إلى اللملمة، ضعف الأداء الحكومى ساعد على المزيد من أشلأة المجتمع، التعسف الأمنى أيضا ساعد على المزيد، ارتفاع الأسعار ساعد على المزيد، انهيار قيمة الجنيه أيضاً، الانقسام المتزايد، الاستقطاب الحاد، عدم وضوح الرؤية، ضبابية المستقبل، الكثير من العوامل التي تؤكد أن مجتمع الأشلاء سوف يستمر طويلاً في ضوء تلك السياسات، التي تتحدث عن وعود بلا أفعال على أرض الواقع.

ليس أمامنا إلا أن نتفاءل، وليس أمامنا إلا أن نعمل، وليس أمامنا إلا أن نجتهد، إلا أننا في الوقت نفسه لا نستطيع استساغة تلك الافتراءات، سواء على الماضى، أو على الآخرين، هي في الحقيقة معوقات تُثير الاشمئزاز، كما تُثير الضغينة، من حق البعض اعتبارها حججاً واهية للهروب من الحاضر والمستقبل معاً، وربما معهم كل الحق، فما هكذا تُدار الأوطان.

مصر أيها السادة ليست سوريا، أو العراق، أو حتى اليمن، هذه حقيقة، وأبداً لن تكون، لسبب وحيد، وهو أن الشعب في مصر لا يرفع السلاح أبداً في مواجهة جيش بلاده، لم يحدث من قبل، ولن يحدث فيما بعد، هذا هو سر تميُّز مصر، الشعب إذن هو الذي حمى مصر من التدهور في أتون الحرب الداخلية خلال السنوات العجاف الماضية، وليس أي أحد آخر، ولئن حدث العكس ما كان الحال هو الحال. الأشلاء إذن ليست صناعة شعبية أبداً، هي صناعة أفراد ليسوا على مستوى المرحلة، فلنُعِد النظر فيهم، فلنُعِد النظر في سياساتنا، ربما نستطيع لملمة أشلائنا، إلا أننا يجب أن نعترف أولاً بمسؤوليتنا الآن عن كل هذه الأشلاء، ربما يغفر الله لنا بعضاً من ذنوب كثيرة اقترفناها بحق الوطن، أيضاً على مدى خمسة أعوام، وليس عاماً واحداً، أو عامين.