عاشت داليا ذات الست سنوات، أعوامها الثلاثة الأولى بشكل طبيعى، قبل أن تظهر على عظام جسدها تشوهات أدت إلى توقفها عن النمو، مع إصابتها بمشاكل فى القلب والرئتين والعينين.
طوال ثلاث سنوات كاملة حاول والدها، الذى يعمل موظفاً بإحدى الهيئات الحكومية فى المنوفية، البحث عن سبب لمرضها، ليكتشف بعد إجراء فحوصات وراثية متقدمة أنها تعانى من مرض «جوشر»، وهو مرض وراثى سببه خلل فى إنزيم معين، وأعراضه تشمل تغيرات فى علامات الوجه، وترسبات فى الكبد والطحال، يقول ماضى إن المرض له 3 أنواع، يعد النوع الثالث هو الأخطر بينها، لأنه يصيب المخ والنخاع الشوكى.
ويشير ماضى إلى أن علاج ابنته يتكلف 12 ألف جنيه شهريًا، وهو ما لم يستطع توفيره مع دخله المحدود، فطلب من التأمين الصحى علاجها نظرًا لأنها طالبة بالمرحلة الابتدائية ولديها بطاقة تأمين صحى، إلا أن ارتفاع تكاليف العلاج صعب المهمة مع طول وتعقد الإجراءات اللازمة لإنهاء أوراق علاجها تحت مظلة التأمين الصحى.
علاج داليا على نفقة التأمين الصحى تطلب استخراج تقرير لجنة استشارية، وتقريرين آخرين من جامعة عين شمس ووزارة الصحة والسكان، بالإضافة إلى عدد من الإجراءات الروتينية، لكنه رغم ذلك لم يتمكن من صرف العلاج، بعد رفض التأمين الصحى بدعوى أن علاج الأمراض الوراثية يتطلب أمرا كتابيا من وزير الصحة أو رئيس الوزراء أو حكم قضائى.
على الفور أقام الأب دعوى قضائية برقم 4387 لسنه 16 ق، ليستمر نظرها طوال عام كامل من ديسمبر 2014 حتى ديسمبر 2015، ليحصل فى النهاية على حكم قضائى يفيد بأحقية ابنته فى الحصول على الدواء من قبل هيئة التأمين الصحى نظراً لأنها طالبة بالتعليم الأساسى، وقامت الهيئة بالطعن على الحكم الذى يحمل رقم 103 لسنة 16ق؛ إلا أن الحكم الإدارى أكد الحكم السابق بأحقيتها بالحصول على الدواء، ولم تنفذه الهيئة حتى الآن بسبب تعقيد الإجراءات الحكومية.
يذكر أن أعداد مرضى «جوشر» تقدر وفق منظمة الصحة العالمية بـ«واحداً من كل 40 إلى 60 ألفاً من عامة الناس»، وينقسم المرض إلى ثلاثة أنواع أكثرها خطورة هو النوع الثانى، وأكثرها انتشاراً النوع الثالث، وهو المنتشر بين المرضى فى مصر.
لم تكن حالة داليا هى الحالة الوحيدة لمرضى اضطروا إلى اللجوء للقضاء لصرف العلاج؛ ففى ديسمبر 2014 قضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، برئاسة المستشار عبدالمجيد المقنن، نائب رئيس مجلس الدولة، بإلزام الهيئة العامة للتأمين الصحى بصرف كافة الأدوية التى يحتاجها المواطنون تنفيذاً للدستور الجديد.
وأشارت المحكمة إلى أن قانون التأمين الصحى وضع تنظيماً لتقديم الخدمات للمواطنين، بحيث لا يخرج فى أى مرحلة من مراحل عمره من تحت مظلته، وفيما يخص الأطفال ممن هم دون السن الدراسية، فقد وفر لهم القانون نظاما يشمل تقديم خدمات علاجية وتأهيلية لهم داخل أو خارج وحدات الهيئة حتى يشفى الطفل أو تستقر حالته. جاء الحكم بعد أن حرك 4 أولياء أمور دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى، مطالبين بإلزام الهيئة العامة للتأمين الصحى بصرف دواء لعلاج أبنائهم الأطفال يساعد على تنشيط خلايا المخ.
وتضمنت الدعاوى تقارير تفيد بمعاناة أطفال المدعين من أمراض وراثية تحتاج إلى تعويض يومى بأدوية معينة، بموجب الحالة المرضية التى تم تشخيصها من جانب مستشفيات جامعة القاهرة والمركز القومى للبحوث، واللجنة الثلاثية المتخصصة بالإدارة العامة للمجالس الطبية بوزارة الصحة، مؤكدين أن التقارير الطبية بينت أن عدم حصول هؤلاء الأطفال على تلك الأدوية يعرض حياتهم للخطر.
يذكر أن هيئة التأمين الصحى تصرف عدداً من الأدوية بموجب أحكام قضائية نظراً لارتفاع أسعارها، ولقلة عدد مرضاها؛ فالأمراض الوراثية ليست شائعة، على الرغم من ذلك لا يتمكن مرضى «جوشر» وبعض الأورام السرطانية من صرف العلاج إلا بموجب أحكام قضائية.
وعلى الرغم من أن مشروع قانون التأمين الصحى الشامل ينص على أن الهيئة ملزمة بصرف جميع أنواع الأدوية، إلا أن صرف أدوية الأمراض النادرة والوراثية لا يتم إلا بموجب أحكام قضائية نظرا لارتفاع أسعارها، بما لا يتناسب مع موارد هيئة التأمين الصحى، ورغم إلزام مشروع القانون الجديد الهيئة بعلاج جميع فئات الشعب وجميع الأمراض، إلا أنه تظل أزمة توفير الموارد هى العائق أمام توفير علاجات للأمراض الوراثية أو مرتفعة الأسعار.
من جانبه، قال سمير حسان، أحد المتطوعين بمجموعة مساندة مرضى السرطان، أن بعض مرضى السرطان لا يصرف لهم بعض الأدوية، خاصة مرتفع السعر منها. وأشار إلى أن علاج مرضى السرطان يتوزع بين عدة جهات، منها التأمين الصحى الحكومى والعلاج على نفقة الدولة، والتأمين الصحى العام من خلال معاهد الأورام المنتشرة فى مصر.
وأشار حسان إلى أن معظم البروتوكولات العلاجية للسرطان تقوم على العلاج الكيماوى أو الإشعاعى أو الجراحى أو الهرمونى، ولكن هناك العديد من الأدوية الموجهة، والتى تحل محل العلاجات السابقة لأنها تستهدف الجزء المصاب فقط بالخلايا السرطانية وتقوم بتحويل السرطان إلى مرض مزمن كالسكر والضغط، ومعظم هذه الأدوية لا يوفرها التأمين الصحى لأنها باهظة الثمن.
وأوضح أن التأمين الصحى لديه بروتوكولات علاجية محددة، فإذا تم تطبيق أكثر من بروتوكول ولم يحقق تقدما ملموسا يقومون بتقرير الحالة إلى مستعصية وبالتالى لا يتم صرف أى أدوية لها.
وعن إجراءات الحصول على الأدوية باهظة الثمن قال حسان، إنه لابد من عرض المريض أولا على لجنة طبية لتقييم الحالة وتحديد الجدوى الاقتصادية لعلاجها، لأن الحالات متقدمة السن أو التى قد يكون هناك احتمالية عدم جدوى الدواء معه لا يقومون بصرف الدواء له وبالتالى قد يضطر المريض لعمل أكثر من تظلم للعرض أكثر من مرة على اللجنة الطبية من أجل الحصول على دواء معين. وقال إن نظر التظلمات يتم كل أسبوعين على أقل تقدير، ويتوقف على وضع الحالة ودرجة انتشار المرض.
وقال محمد فؤاد، رئيس مركز الحق فى الدواء، إن الهيئة تتعامل بطريقة المكسب والخسارة مع المنتفعين، فتقوم بتوفير العلاج للأمراض الشهيرة وواسعة الانتشار فقط، أما علاج أمراض مثل التصلب المتعدد، والأورام، وحمى البحر المتوسط فلا يتم توفير علاجاتها، وتتطلب إجراءات صرفها تحريك دعاوى قضائية تستغرق أعواماً ينهك خلالها المريض جسدياً وعصبياً.
وأوضح فؤاد، أن مركز الحق فى الدواء أقام دعوى قضائية فى ٢٠٠٩ بعد امتناع هيئة التأمين الصحى عن صرف الدواء لمرضى التصلب المتعدد وعددهم فى التأمين حوالى ٤٠٠ مريض فى هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار الدواء الذى يتكلف ٥٦٠٠ جنيه شهريًا. وأشار إلى أنه استفسر من رئيس الهيئة وقتها، الدكتور حسن راتب، والذى رد بأن المرض لم يكن له برامج تمويل من قبل، وأصدر أمراً بصرف ١٠٠٠ جنيه لأحد المرضى، على أن يكمل باقى سعر الدواء على نفقته الخاصة.
وعلى إثر ذلك قام المركز باللجوء الى القضاء الإدارى، للمطالبة بصرف الدواء مجاناً فى الدعوى رقم ١٦٤٢ لسنه ٢٠٠٩ والتى أصدرت المحكمة حكماً بشأنها فى ١٦ إبريل ٢٠١١ بأحقية المريض فى صرف العلاج بالكامل. ثم حرك المركز دعويين قضائيين لمرضى التصلب المتعدد فى عامى 2011 و2012 ليصل الأمر إلى تحمل الهيئة 80% من تكلفة العلاج، على أن يتحمل المريض بقية المبلغ.
يذكر أنه لا توجد إحصائية رسمية لمرضى التصلب المتعدد فى مصر، بخلاف ما أعلنته شعبة مرض التصلب المتعدد للألياف العصبية بالجمعية المصرية للأمراض العصبية والنفسية وجراحة الأعصاب، فى مؤتمرها السنوى عام 2013، أن مرض المرض يصيب 3 من كل 100 ألف شخص فى مصر.
وأشار فؤاد إلى أنه رغم وجود أحكام قضائية ملزمة لهيئة التأمين الصحى بأمراض مثل التصلب المتعدد MS والجوشر والهيموفيليا؛ إلا أن الأحكام لا يتم تعميمها ويجب على كل مريض رفع دعوى قضائية فردية لكل حاجة منفصلة وتمتد القضية سنوات حتى يحصل المريض على حقه، وبعض الأمراض الوراثية لا يتكفل بها التأمين الصحى بشكل كامل.