فى أول يناير الماضى، اتخذت خطوط الطيران الماليزية خطوة لم يحدث أن اتخذتها شركة طيران أخرى، وهى إن دلت على شىء فإنما تدل على أن البلد الذى وضعه مهاتير محمد بين دول العالم المتطورة، لايزال يمضى على خُطاه!
قرر طيران ماليزيا حظر وجود حقائب السفر على رحلاته المتجهة إلى أوروبا، على أن تحملها طائرات شحن، تلحق بطائرة الركاب مباشرة، وهو لم يحظر حمل حقائب السفر وفقط، ولكنه وضع حداً أقصى لحقيبة اليد، فلا يزيد وزنها على سبعة كيلوجرامات!
فى البداية، ظن الذين سمعوا بالقرار أن سببه يعود إلى الرياح المعاكسة القوية التى تواجه الطائرة وهى فى طريقها إلى أى عاصمة أوروبية، ثم تبين أن هناك سبباً آخر، لا يخطر على البال!
وكان السبب أن الطائرة حين تحمل الركاب مع حقائبهم تحرق كمية من الوقود أكبر، فى قطع مسافة السفر نفسها، وأن طيرانها دون حقائب يجعل الكميات المطلوبة من الوقود أقل!
هؤلاء ناس حسبوها إذن بالورقة والقلم، وتبين لهم أن الذهاب بالركاب على طائرة وإرسال حقائبهم على طائرة أخرى موازية، سوف يوفر الكثير من وقود الطائرات، فاتخذوا القرار فى الحال، ولا أحد يعرف ما إذا كانت شركات الطيران فى العالم سوف تقلدهم وتتخذ القرار ذاته، أم أن واقعة الطيران الماليزى سوف تظل فريدة فى بابها!
فإذا أراد أحد عبارة من عندنا تلخص ما جرى على متن الطيران الماليزى، فسوف تكون تلك العبارة التى نرددها طويلاً ولا نعمل بها لحظة، وهى: ترشيد الاستهلاك!.. إنها عبارة فقدت معناها تماماً، من طول تكرارها، دون أن تعمل أى جهة فى الدولة بها.
وليس هناك دليل على أننا لا نعمل بها إلا أنك كلما تطلعت فى أى اتجاه اكتشف أن سفهاً فى الإنفاق نمارسه هنا، وأن تقتيراً فى الإنفاق أيضاً، يعانى من عواقبه الملايين هناك!
هل حدث مثلاً أن سأل أحد يعنيه هذا الأمر فى الدولة، عن عدد سفاراتنا فى الخارج، بالمقارنة بعدد سفارات الولايات المتحدة الأمريكية بجلالة قدرها؟!
لم يحدث، ولو حدث فسوف نرى أن عدد سفاراتنا أعلى، وأننا فى الوقت الذى نفتش فيه، فى أى ركن، عن دولار واحد يستر الاحتياطى منه فى البنك المركزى، نهدر منه الكثير فى سفارات تقع فى دول لا يوجد بها سوى عشرات من المصريين، ولا حركة تجارية ذات شأن بيننا وبينها، تقتضى وجود سفارة من الأساس!
يستطيع سفيرنا فى أى بلد أن يكون ممثلاً لرئيس الدولة فى أكثر من بلد مجاور، فنوفر الكثير جداً مما نحن فى أشد الحاجة إليه من دولارات!
صيانة موارد الدولة، من العملة الصعبة ومن غير العملة الصعبة، ليست كلاماً يقال لنا فى كل مناسبة، ولكنه فعل يجرى بطبيعته على الأرض، ويراه كل مواطن بعينيه، ثم يرى أثره فى حياته.. وماعدا ذلك ضحك على النفس، وضحك على الناس!