بالأمس كنت حزينا جدا. ظللت طيلة الأمسية مطرقا فى وجوم أفكر فى انهيار الجنيه المفاجئ أمام الدولار، وما يستتبع ذلك من غلاء هو فى الأصل متفاقم. وفجأة وجدتهم أمامى. انبثق فضاء الغرفة الخاوية عن الثلاثة: رجل نحيل طويل يمسك الغليون فى عصبية. ورجل بدين قصير يرتدى ثيابا منسقة. وامرأة عجوز ودودة.
شعرت بالرعب من ظهورهم الخارق أمامى. ثم انسحبت فجأة مشاعر الرعب منى وومض بريق خاطف فى عينى يشى بالفهم. قلت فى ذهول: «هل أنتم من أظن؟».
قال الرجل الطويل بلهجة إنجليزية صميمة: «شرلوك هولمز فى خدمتك».
وغمز البدين المضحك: «هركيول بوارو تحت أمرك».
وهتفت العجوز الودود وهى تقبلنى فى وجنتى: «خالتك مس مارى يا حبيب قلب خالتك».
قلت فى فضول: «صحيح لماذا جئتم؟». قالت مس مارى فى رقة: «شاهدناك حزينا. وقلنا لا يصح أن نتركك هكذا».
قال هولمز: «أفصح ولا تضع وقتى. لقد بدأ مفعول الكوكايين يطير من دماغى». قلت مذعورا: «أرجوك لا تتعاطى مخدرات هنا. ستجلب لى مصيبة». قال هولمز فى كبرياء: «فى زمانى كان الرجال المهذبون يتعاطون الكوكايين طيلة الوقت». قال بوارو متفاخرا: «لا أحتاج المخدرات طالما خلايا مخى الرمادية تعمل جيدا».
هتفت مس مارى مؤنبة: «كفى صراع الديوك هذا». ثم التفتت نحوى فى رقة: «ماذا يضايقك؟». قلت فى أسى: «حزين على حال بلادى، لقد ارتفع الدولار دون مبرر وصرع بالضربة القاضية عملتنا الوطنية». قال هولمز وهو يتحسس حافظته: «لدى بضعة جنيهات استرلينية. لست كهذا البلجيكى البخيل». ابتسمت شاكرا: «الحمد لله مستورة. ولكن المشكلة أن انهيار العملة المحلية سوف يلحق الأذى بالجميع، ولن ينجو من شروره أحد. ذلك أنه سيضرب السلْم الاجتماعى فى الصميم، فيصبح حتى ميسورو الحال غير آمنين على نسائهم وأطفالهم».
قال بوارو: «هل هذا هو كل شيء؟». قلت: «لا أفهم لماذا تترك الدولة العنان لتجار العملة حتى يرتفع الدولار إلى تسعة جنيهات وربع؟».
قال هولمز: «ابحث عن المستفيد يظهر حل اللغز ببساطة». قلت: «المستفيد هنا هو تجار العملة». تساءلت مس مارى: «وهل دولتكم ضعيفة لا تستطيع التعامل معهم؟». قلت بتلقائية: «بالعكس. النظام يخزوق الجميع ويضع الكلابشات لأتخن تخين».
رفع هولمز قبعته فى إجلال وقال فى حنين: «حفظ الله الملكة. هذه هى التقاليد التى أرسيناها فى مستعمراتنا، ويبدو أنكم تسيرون على هداها».
تدخل بوارو: «خلايا مخى الرمادية تهمس لى أن النظام يريد ارتفاع الدولار. هذا هو التفسير الوحيد». قلت معترضا:ة «ولكن ارتفاع الدولار يضرهم، ويترتب عليه ارتفاع الأسعار وتفاقم السخط، وهذا ليس فى مصلحة الحكومة».
قال بوارو مفكرا: «إلا إذا.. هل صرح رئيس وزرائكم بشىء ما مؤخرا؟». قلت فى أسف: «قال إن هناك إجراءات مؤلمة قادمة».
صرخت مدام مارى: «وجدتها. حكومتكم تريد رفع الدعم عن السلع والخدمات. لذلك تركت الدولار يرتفع حتى يعم الذعر الجميع ويتقبلوا الإجراءات المؤلمة حتى يتجنبوا الخراب».
وافقها بوارو: «وبعدها سيخزوقون تجار العملة فينخفض الدولار وتعم السعادة الجميع. ويقولون لقد أنقذ رفع الدعم الوطن وخفض الدولار».
■ ■ ■
صفّر هولمز بشفتيه: «يا ولاد اللعيبة. أنا أشجع اللعبة الحلوة. ودماغى انضبطت من غير كوكايين». وصفّق بوارو بكفيه الصغيرتين قائلا: «أحلى اشتغالات بتعملها حكومتكم».
وقالت مس مارى بلهجة عملية: «معايا ميه دولار عايزة ألحق أبدلهم بسرعة قبل الدولار ما ينزل لتمانية».