.. ترى هل أنت واحد من الذين ينتابهم أحيانا الشعور بأن شيئا ما يموت داخلك دون أن تعرف ما هو هذا الشىء أو لماذا ينتابك هذا الإحساس؟.. أنا شخصيا واحدة من هؤلاء ولا علاقة لى هنا بكونى إنسانة متشائمة أو متفائلة، بل ربما تكون قصيدة الشاعر الشيلى «بابلو نيرودا» «الموت البطىء» فيها من الإجابة والشرح لهذه المشاعر التى يمارسها الإنسان فى روتين حياته اليومية دون أن يدرى أنها بداية لعلامات تفتح الباب للموت البطىء السارق للحياة، ونحن مازلنا إكلينيكيا مقيدين تحت اسمها… القصيدة التى تضاربت الأقاويل حول مؤلفها الحقيقى حيث يعتقد البعض أنها من مؤلفات الشاعرة البرازيلية مارثا ميديروس martha medeiros ليست قصيدة حزينة بقدر ما هى صادمة وكاشفة لهذه الممارسات التى ربما يرغب مؤلفها أن يكشفها لعلها تدق جرسا يجنب الإنسان الموت البطىء وهو حى يرزق على قيد الحياة.. تقول آبيات القصيدة:
«من يصبح عبدا لعادة
من يتلو نفس الطريق كل يوم
من لا يغير من نظامه
من لا يخاطر أو يغير من ألوان ملابسه
من لا يرغب التحدث مع ناس لا يعرفهم.. موت ببطء»
■ من يتجنب العاطفة
■ من يفضل الأسود على الأبيض
■ من يتمسك بالنقاط على الحروف بدلا من هذه المشاعر المتدفقة المحركة لبريق العين.. القادرة على تحويل التثاوب إلى ابتسامة..
المشجعة لسرعة دقات ونبض القلب أمام المشاعر يموت ببطء
■ من لا يقلب الأشياء رأسا على عقب
■ من يستمر فى العمل وهو غير سعيد
■ من يخاطر باليقين مقابل اللايقين
■ من يرفض التخلى عن نصائح الآخر له ولو مرة واحدة فى الحياة.. يموت ببطء
■ من لا يسافر
■ من لا يقرأ
■ من لا يستمع إلى الموسيقى
■ من لا يجد نعما فى ذاته.. يموت ببطء
■ من يحطم حبه لنفسه
■ من يٌكسر من عزيمته وثقته
■ من لا يسمح بمساعدة الآخرين له
■ من يمكث الساعات والأيام ندبا على حظه والأمطار التى لا تتوقف
يموت ببطء
■ من يتخلى عن مشروع قبل أن يبدأ فى تنفيذه
■ من لا يغير من حياته الشخصية عندما لا يكون سعيدا
■ من يشعر بالحرج فى السؤال عن أشياء يجهلها
من يبخل بمعرفته وعلمه للآخر
يموت ببطء
دعونا نتجنب هذا الموت البطىء الذى نستقبله بجرعات قليلة كل يوم مذكرين أنفسنا أننا حتى نحيا نحتاج أن نقوم بمجهود كبير.. أكبر بكثير من الحقيقة المعتادة أننا نتنفس.
فلسفة حياتية قرأتها عدة مرات.. متأملة فيها ليس حال وحدى بل حالنا كلنا.. فلسفة تلخص سلوكيات وممارسات لا ندرى حجم تأثيرها إلا بعد فوات الأوان.. أخشى أن أضيف عليها رؤيتى الشخصية.. أخشى أن أسرد كثيرا من السلبيات التى أصبحت تُفرض علينا وتسرق أياما من حياتنا ونحن نستقبلها كل يوم على طبق من ذهب.. لا أرغب فى إضافة المزيد حتى لا يتحول هذا المقال إلى رؤى قائمة ومتشائمة، ولكنى أؤمن أن هذا الحق فى الحياة يتطلب وقفة ووضوحا ومواجهة مع النفس بعيدا عن هذا الفكر الأوحدى المتشدد المتصلب الذى نرفض فيه التغيير.. هذا الفكر المتشبث بحدود ما نعرفه.. الرافض للغامض والجديد.. ربما لو فتحنا الباب.. ربما.. ربما يأتى هذا الصوت الساكن يحطم هذا الصمت الحزين الذى يرفض السماح لنا بأن نقف مع ذاتنا ونفهم أنفسنا أكثر ويبعد عنا شبح هذا الخوف من المجهول.. ربما تتحول هذه الممارسات «الميتة» السارقة للحياة إلى أشياء حية غفلنا عن فهمها لأننا فقط تجمدنا فى مواقعنا ولم نسمح «للفرصة» أن تجد مكانا داخلنا!!!
selnakkady@gmail.com