شرطة مسجلة خطر

أحمد الصاوي الجمعة 19-02-2016 21:38

لماذا يكرهون الشرطة ويتآمرون عليها بالإيحاء بأن أى شخص يُقتل فى مصر تقتله الشرطة؟

صحيح.. لماذا؟

فى واقعة مقتل الطالب الإيطالى «جوليو ريجينى»، هناك إلحاح متواصل على اتهام أحد المنتسبين للشرطة بقتله فى إطار ما تصفه المؤسسة الأمنية بـ«الحالات الفردية»، رغم أن التحقيقات التى تشارك فيها عناصر إيطالية لم تنته لشىء بعد.

لكن هناك دائماً فى علم الجريمة ما يُسمى «قواعد الاشتباه»، وهى الخطوة الأولى تقريباً فى التصدى للتحقيق فى أى جريمة، ولا تحتاج أن تكون ضابط شرطة أو متخصصا حتى تعرفها، يكفى أن تكون لك تجربة فى الاطلاع على أداء ضابط مباحث فى جريمة ما، أو تشاهد دراما بوليسية مصرية.

عندما تحدث جريمة فى منطقتك «قتل أو سرقة»، يتحرك طاقم المحققين فور التبليغ عن الجريمة فى عدة اتجاهات، بعضها معاينة مسرح الجريمة ورفع البصمات، والتحرى عن المجنى عليه وعلاقاته وخصوماته وسلوكه، وبعضها حصر المشتبه فيهم، وفحص المسجلين المختصين فى هذا النوع من الجرائم فى دائرة الإدارة أو القسم ونطاق ولايته.

فى كل قسم شرطة، أو إدارة مباحث متخصصة، سجل بالمسجلين حسب تصنيفاتهم الإجرامية، من مبتدئى الإجرام، ومعتاديه، وحتى الخطرين، وحال وجود شهود للواقعة، تجد «ألبوما» للمشتبه فيهم من معتادى تلك الجريمة، أو طابور عرض لبعضهم حتى يتيسر التعرف على المتهم الحقيقى.

بهذا المنطق فى الإجراءات المباحثية، هل تعتقد أن وضع الشرطة المصرية أو أحد أجهزتها أو أقسامها أو طواقمها كمشتبه فيه رئيسى وأساسى فى حادث مصرع الشاب الإيطالى منطقى ومسموح به، ويستند إلى ركائز اشتباه واضحة من حيث تاريخ المشتبه فيه وسوابقه فى حالات مشابهة؟

أم أن مجرد طرح ذلك سواء فى صيغة اتهام المؤسسة كمؤسسة أو «الحالات الفردية» هو تربص مقصود وتآمر مسبق التخطيط، وإيحاء متعمد، تحركه كراهية للشرطة، ودأب على تشويهها؟

أنا هنا أتحدث عن الاشتباه فحسب، لا أجزم بتورط الشرطة أو أحد أطرافها أو أفرادها فى الجريمة، ولا أجزم بغير ذلك، لكننى أسألك بوضوح: لو كنت محققاً فى القضية، وبسلوك مهنى بحت بعيداً عن الهواجس السياسية، هل كنت ستضع الشرطة أو أجهزتها العاملة فى نطاق مسرح الجريمة ضمن دوائر الاشتباه، وتعتبرها أحد الاحتمالات الواجب تتبعها أم لا؟

وأنت تحاول الإجابة عن هذا السؤال، لابد أنك تستدعى الصورة، جثة شاب عليها آثار تعذيب مختلفة، ما بين قطع أذن وكسر ضلوع وفقرات فى الرقبة وصعق بالكهرباء وأشياء كذلك، ثم تسأل أولاً: هل لديك مشتبه به مسجل خطر فى مثل هذه الجرائم؟ وهل هناك حوادث مشابهة أو قريبة تماثل هذه الحادثة؟

بفحص بسيط لسجل «الحالات الفردية» التى ظهر فيها لجوء بعض منسوبى الشرطة للعنف فى التعامل مع الجمهور سواء فى حالات الفحص والتحرى أو القبض أو الاستجواب، ستجد الكثير، وبأزمنة قريبة، بعضهم قُدم للمحاكمات ومازال ينتظر كلمة القضاء، والبعض الآخر أُدين بالفعل بأحكام نهائية.

هنا يمكن أن تسأل: هل يمكن أن يفعلها شرطى مصرى؟

الأرجح أنك لا تجد ما يؤكد، لكنك أيضاً لا تجد ما ينفى، لكن المؤكد أنك تجد ما يدعم الاشتباه، دون أن تُغفل طبعاً أن «المتهم برىء حتى تثبت إدانته».

قد تقول إنه لا يوجد شرطى عاقل يعتدى على أجنبى وهو يعلم حساسية ذلك سياسياً، رغم أن مَن اعتدوا على الأطباء ومَن قتل «شيبة» الأقصر، و«طبيب» الإسماعيلية.. وأخيراً «سائق» الدرب الأحمر لم يُقدروا أيضاً عواقب ما يفعلون سياسياً.

أفهم أن يغضب مسؤولون فى الشرطة ومدافعون عنها من الجزم المسبق بتورط منسوبين لها فى قتل الشاب الإيطالى، لكن لا أفهم غضبهم ورفضهم للاشتباه، مجرد الاشتباه فى ذلك، فعلى أى أساس مهنى ينفون هذا الاشتباه؟

ما يجب أن نعترف به أن لدينا شرطة «مسجلة خطر»، صنعت لها «الحالات الفردية» ملفاً مرجعاً لأى محقق مهنى يكفى لأى اشتباه، وتحتاج جهداً غير مسبوق لحذف «السوابق القديمة» من الذهنيات، أوله وقف السوابق الجديدة بحسم، والتصدى الواضح الصريح غير الموارب لثقافة استباحة جسد أى متهم أو مشتبه أو محتجز، وهى ثقافة من الاستسهال والاستعباط والنفاق الادعاء أن سببها مجموعات بعينها داخل جهاز الشرطة «كالأمناء والمخبرين»، وأنها ستختفى باختفائهم، ففى الأقصر «تعذيب وقتل» والمتهم ضابط.. وفى الدرب الأحمر «قتل» والمتهم أمين شرطة.

تغيير الثقافة هو الحل.

sawyelsawy@hotmail.com