الحرية و التسامُح الثقافي

شريف رزق الجمعة 19-02-2016 19:29

إن الإيمان الحقيقي بالحرية يتواكب تماماً مع فكرة قبول الآخر كما هو. ووجود الاختلاف الثقافي هو جُزء أساسي من الحياة. فمُنذ بدء الخليقة، وتلك الاختلافات والخلافات قائمة شئنا أم أبينا. وتكمُن هُنا أهميته الحُرية في كونها الدستور الذي يحكُم الحياة بحيثُ يجد الفرد العدالة حيثُ يعيش.
وتكمُن كثير من المشاكل في وجود ثقافة مهيمنة في مُجتمعِ ما وفرضها أسلوب الحياة على كُل الثقافات الأخرى، وذلك على افتراض أنهُم الثقافة الأكثر أهمية أو أحياناً الأكثر نقاء.
و لنبدأ بفكرة قبول الآخر وهي لا تعني إطلاقاً قبول أو رفض أو تحليل أفكاره أو أسلوب الحياة الذي يتبعهُ فهذا من شأن الشخص ذاتهُ. فقد ترفُض أفكار شخصِِ ما تماماً، ولكن في وجود الحرية التي تُغذي التسامُح الثقافي تستطيع التعايُش مع الآخرين وقبولهُم. وقد ترفُض صداقة هؤلاء المُختلفين عنك وهذا حق أصيل لك، لكن وجودهُم هو أمرِ مُسلم بِه ولن تُعارضهِ لأنهُ جُزء أساسي من الحياة، حيثُ الاختلاف هو جوهر الكون.

ومن المهازل الفكرية أن يعتقد البعض أن من واجبه أن يُغير الآخرين إلى ما يؤمن به على أساس أن ذاك هو الحقيقة المطلقة.
من حق كُل فرد أن يعتقد أن مُعتقداته هي حقِ مُطلق وغير قابلة للنقاش ومن حقه أيضاً أن يعتقد أن باقي المُعتقدات على غير صواب، لكن علينا دائماً أن نُدرك أن اعتقادنا بعدم نفع فكرة ما لا يُقلل قيمتها، مُحاولات البعض المُستميتة كي يثبتوا فساد فكر الآخرين تعكس غالباً رغبة شديدة في إثبات صحة ما يعتقد الفرد لنفسه، وتمنى البعض أن يؤمن الجميع بنفس الشيء يتنافى مع طبيعة الحياة.
والتعايُش مع الاختلاف أحد أهم أركان الحياة التي تتطلب روح متسامحة مع الحياة، سعيدة بما تؤمن به رغم اختلاف ذلك مع العالم كُله، لن يُضار العالم إذا أعتقد شخص في شيء يختلف معهُ العالم كُله. فجوهر الحياة الحقيقي أن نحيا كما نُحب، وليس كما يرغب أو يرى الآخرون. فتلك هي الحياة. وحين نحيا كما رأى الآخرون نُصبح مُجرد مسخاً.

ولكي نستمتع حقاً بتلك الحياة لابُد أن نضع بصمة هي لنا وليس لغيرنا وعندما نقنع بحياتنا ورؤيتنا لها لن ننشغل كثيراً بحياة الآخرين. وسنُصبح أكثر قابلية لقبول الآخر كما هو.
والانشغال بالآخر هو في حد ذاته عجز عن الانشغال بالذات ومن ثم فهمها. فالآخرون مختلفون في جميع الأحوال. وحين ننفتح على الآخر بهدوء يُصبح من اليسير التعُلم من وعن الآخر.

والانشغال الزائد بالآخر يُشوه أحياناً كثيرة رؤيتنا لذاتنا. فالإنسان مُطالب دائماً بالبحث داخل ذاته والتعرُف على ما يجعلهُ في حالة عشق. قد تكون عاشقا للموسيقى، الكيمياء، كُرة القدم، تصميم الملابس، القراءة، الأطفال.
حين يُدرك الإنسان ما يعشق عليه التعامُل بجدية شديدة مع ذاك العشق. فالعشق وحدُه لا يكفي ولابُد أن بصاحبه عملُ جاد ومُثمر. وتلك هي الخطوة العملية تجاه تسامُح حقيقي، فالتطور الذاتي الدائم ما هو إلا خطوة أولى تجاه حياة مُثمرة.

والإبحار في الذات يساعدنا بشدة أن نصبح ما نريد أن نكون، فغالباً الشخصيات المشوهة غير السعيدة بما تقوم به في الحياة، ولذا فلا تستطيع تقبل اختلاف الآخرين.
فلن تتقبل الآخرين قبل أن تقبل نفسك، ولن تحب أي آخر قبل أن تحب نفسك.

sherifaq@gmail.com