كلما التقيت مصريا في مكان ما من العالم الواسع، قال لي العبارة نفسها: «الله انت تونسية؟، احنا بنحب التونسيات جدا».
عبارة تحتمل كثيرا من التأويل المتوقف على شخصية المتحدث ومقاصده، في الغالب أتعامل معها بكثير من التسامح والمحبة، فأرد ببسمة مثلا أو بـ: “شكرا، التونسيون أيضا يحبون المصريين”، أو: “معزة متبادلة” وغيرها من صيغ الامتنان والمجاملة.
لكن أغرب ملاحظة تلقيتها في هذا الصدد جاءت من أحد الذين التقيتهم في ندوة صحفية في دولة عربية عندما قال: «المصريون يعشقون التونسيات لكنهم في النهاية يتزوجون مصرية لأن التونسية متعبة». عندما رفعت حاجبي في علامة تعجب واستفسار أضاف: «التونسيات حبيبات رائعات لكنهن قويات الشخصية كزوجات ويصعب العيش معهن». وطبعا فضلت ألا أدخل في نقاش مجاني عن النساء العربيات الأقوى، والأشرس والأجمل والأكثر لطفا، لأنها أحكام قيمة لا يمكن أن تطبق على البشر جميعهم.
غير أنني سأروي حكاية هنا حدثت بالفعل، وكانت نقطة تحول بالنسبة لي في النظر لمسألة “الوحدة العاطفية” بين المصريين والتونسيات: أثناء زيارة قصيرة للأهل في تونس، الصيف الماضي، وبمجرد وصولي وجدت الحي بكامله يتحدث عن إبنة الجيران التي تزوجت مصريا وعادت إلى أهلها في ظرف ساعات. تجنبت، في اليومين الأولين، الدخول في التفاصيل والسؤال عما يحدث في الحي، لكن مقاومتي انهارت بالكامل عندما سمعت أختي تحدث جارتها قائلة:“ لحق بها هنا، وقال إنه مستعد للعيش معها في تونس”.
تقول تفاصيل القصة أن شابا مصريا تعرف على تونسية من خلال الأنترنت وجاء لخطبتها من والديها، وتم الزواج في ظروف عادية، ثم أخذها وسافر بها إلى أحدى المدن المصرية. هناك اكتشفت الزوجة التونسية الشابة أن زوجها متزوج من إمرأة مصرية ولديه منها أبناء. الزوجة المصرية استعانت برفيقاتها وجاراتها وأوكلتها ضربا، فعادت الشابة التونسية في اليوم التالي إلى بيت أهلها في تونس.
سكان الحي (والأحياء المجاورة) تبادلوا الحكاية فيما يشبه التحذير الخفي أو المبيت للبنات من التسرع والزواج عبر الإنترنت.
لكن المشكلة ليست هنا: ما يثير اهتمامي دائما في مثل هذه القصص هوقوة المتعارف عليه أو “المتفق عليه” في توجيه وإدارة سلوكنا ومشاعرنا نحن البشر مع بعضنا. فعبارة “نحن نحب التونسيات” التي أسمعها أينما حللت، وأصبحت أتوقعها بمجرد أن ألتقي مصريا، وأعرف ضمنا أن جزءا كبيرا منها مقصود به المغازلة لا غير، أصبحت مجسدة أمامي في قصة درامية واقعية، وفي الحقيقة منذ تلك اللحظة بدأت أتساءل عن سر حب المصريين للتونسيات إلى هذه الدرجة وفي رأيي هناك أكثر من احتمال:
الإحتمال الأول أن يكون حب التونسيات مصدره الحقبة البورقيبية، عندما اتخذ بورقيبة إصلاحات لفائدة المرأة وحقوقها، وسن مجلة الأحوال الشخصية التي مكنت المرأة التونسية من حقوق وامتيازات تعبتر رائدة مقارنة بوضع المرأة عربيا في تلك الفترة، والتي من بينها منع تعدد الزوجات، الأمر الذي جعل الأنظار تلتفت إلى المرأة التونسية وتركز على إنجازاتها في مجال الحقوق والحريات، وهو ربما، ما جعلها “محبوبة” من قبل أشقائنا العرب (المصريين تحديدا) نظرا لقرب التجربتين التونسية والمصرية ومرورهما برماحل إصلاحية متقاربة، فكما كان هناك في تونس الطاهر الحداد، محرر المرأة ونصيرها، كان هناك قاسم أمين، والكواكبي وغيرهما ممكن نادوا بضرورة تحرير المرأة كجزء أساسي من تحرير الأوطان.
الإحتمال الثاني، في اعتقادي، هو في احتضان تونس في سبعينيات القرن الماضي، لمنظمة التحرير الفلسطينة، وهو ما أكسب التوانسة عموما، وليس المرأة فقط، حب وتعاطف العرب جميعا، ومكانة “عاطفية “ خاصة داخل قلوب الأردنيين والسوريين والمصريين بالأخص، فجزء كبير من الفلسطينيين متواجد بهذه الدول ويرتبط معها بعلاقات مصاهرة وقرابة.
الاحتمال الآخر يعود الفضل فيه إلى الفنانين والشعراء الذين زاروا تونس وكتبوا عن تحرر المرأة التونسية وجمالها، وقوة شخصيتها واعتدادها بنفسها، كمحمود درويش ونزار قباني، كما أن الفنانين عموما دأبوا على الغناء للشعب التونسي “الذواق”، وذواق هنا مقصود بها على وجه التحديد الحرية التي تتعامل بها المرأة التونسية في المسارح والعروض، فهي تبدي الكثير من العفوية والتفاعل، وترقص مع الشباب جنبا إلى جنب، دون حرج أو مبالاة.
بقي أن أقول أنني، متزوجة من مصري، وأعيش حياة مليئة بالشعر والفن والصخب والتبادل الثقافي والتكامل الجميل.