رسائل هيكل لـ«المصري اليوم»: جريدتكم علامة فى مسيرة الصحافة.. وإصدارها مجازفة

كتب: معتز نادي الخميس 18-02-2016 19:50

«المصرى اليوم جريدة كبيرة تملأ الأفق على اتساعه».. كلمات خاطب بها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل «المصرى اليوم» التى كانت تحتفل بمرور عام على إصدارها الأول.

وأرسل هيكل سطورًا تشيد بـ«المصرى اليوم» فى 8 يونيو عام 2005، موجهة إلى الراحل كامل توفيق دياب، الذى كان رئيسًا لمجلس إدارة الصحيفة، معتبرًا أن خطوة إصدار الجريدة «مجازفة» ومقدمًا الشكر له.

وقال هيكل فى رسالته لـ«دياب»: «إننى أعرف اهتمامك الموروث بالكلمة المكتوبة عن طريق أستاذنا الكبير توفيق دياب صاحب (الجهاد) ذلك الرجل الذى اختار لجريدته مبكرًا شعارًا صاغه أمير النظم العربى العظيم أحمد شوقى يقول فيه: (قف دون رأيك فى الحياة مجاهدًا.. إن الحياة عقيدة وجهاد».

وأضاف أن مهنة الصحافة تغيرت عن أيام الراحل توفيق دياب «كما أن عهدها لم يعد بالضبط عهد فارس يخرج من قلعته كل صباح، حاملًا رمحًا وداعيًا للحق ومحاربًا الباطل، بل تحول ذلك التقليد النبيل بحقائق العصور إلى ساحة صراع أوسع ومختلف».

وقال: «للحق، إن المصرى اليوم فهمت ضرورة تواصل التجديد والتقليد، وتجنى ذلك من أول يوم صدرت فيه بمشاركة قيّمة وصادقة من الأستاذ أنور الهوارى، أول رؤساء تحريرها».

واختتم رسالته بمخاطبة «دياب»: «دعنى أقل لك بصراحة إنها كانت سنة اختبار شاق لـ(المصرى اليوم)، ولنا أن نعتبرها فترة تدشين لجريدة كبيرة».

الرجل الذى عاش حياته بين الصحافة والسياسة قرر تحريك المياه الراكدة بكتابة «رسالة مهنية بحتة من رئيس تحرير سابق إلى رئيس تحرير جديد لاحق» بعنوان «شاهد ملك!».

وطرح هيكل فى رسالته الثانية لـ«المصرى اليوم» ما اعتبره «أسئلة ضرورية» حول مقولة الدكتور مصطفى الفقى: «الرئيس القادم يحتاج إلى موافقة أمريكية وعدم اعتراض إسرائيل»، وذلك فى حواره، الذى أجرته الصحيفة معه، عام 2010، وكان حوار الفقى ضمن سلسلة حوارات أجرتها الصحيفة حول مستقبل الحكم فى مصر.

وخاطب هيكل «الجلاد»: «إننى أعتذر عن إزعاجى لك وسط شواغلك، لكن حديثاً نشرته صحيفتكم «المصرى اليوم» فى عددها بالأمس، على صفحتى (٨ ـ ٩) مع الدكتور «مصطفى الفقى» ـ أثار فى خواطرى، وربما خواطر غيرى، عدداً من الأسئلة ظننت أنك وحدك تستطيع المساعدة فى أمرها بجواب».

ويضيف: «فى ذلك الحديث ـ فى عدد الأمس ـ قال الدكتور مصطفى الفقى بالنص: (للأسف أن الرئيس القادم لمصر يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل)».

وتعامل هيكل مع العبارة السابقة بروح الصحفى، الذى يثير الجدل ولا يترك صغيرة أو كبيرة إلا وقد فسرها من وجهة نظره طبقًا للمعلومات المتاحة له، وقال: «توقفت أمام هذه العبارة التى قدرتم أهميتها فوضعتموها فى مقدمة ما اخترتموه لحديث الدكتور «الفقى» من عناوين، لأنها جملة كاملة، وجملة معبرة، وجملة مسؤولة بلا سهو أو خطأ، باعتبار أن صاحبها يعلم ما يقول، ويقول ما يعلم، فقد تولى منصباً رفيعاً فى الرئاسة لسنوات طويلة، وهو منصب سكرتير الرئيس للمعلومات ـ ثم إنه تصدر لمهمة كبيرة لايزال عليها، وهى رئاسة لجنة الشؤون الخارجية فى مجلس الشعب القائم».

وركز هيكل فى رسالته على أنه لا يريد أن يبحر فى عالم السياسة وإنما يريد الغوص صحفيًا كى يستوفى الموضوع حقه بالإجابة عن «أسئلة ضرورية لاستيفاء عناصره، فهناك فيما أورده الدكتور «مصطفى الفقى» خبر كبير، وذلك حين ذكر بعد تعبير عن الأسف: (أن الرئيس القادم فى مصر يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل)».

ورأى «هيكل» أن تصريح الفقى خبر و«هناك أسئلة وإجابات لازمة لاستكماله، وكلها ليست من عندى، وإنما هى مجمل أول درس عن قواعد المهنة وأصولها سمعناه جميعاً».

وحلل الأمر بقوله: «الحاصل أن الدكتور «الفقى» أجاب عن سؤال واحد من أسئلة الخبر، وهو السؤال بـ: ماذا، أى ماذا حدث، وقد لخصه عنوان «إن اختيار الرئيس القادم فى مصر يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل».

وتابع: «لكن حق المهنة ـ وواجبها ـ يستدعى بقية من أسئلة لابد لها من إجابة عنها حتى يستوفى الخبر أركانه. هناك السؤال عن: متى؟ (أى متى وقع الخبر؟ ومتى أصبح اختيار الرئيس فى مصر بموافقة أمريكية، وعدم اعتراض إسرائيل؟!). وهناك السؤال عن: كيف؟ ـ وهناك السؤال عن: أين؟ وهناك السؤال عن: من؟ ـ وهناك السؤال عن: لماذا؟ ـ وأخيراً هناك السؤال عن: ثم ماذا؟!».

واختتم بإلقاء الكرة فى ملعب الجلاد كى يرى أمر تصريح الفقى، بقوله إن الرسالة «إذ أبعث بها إليك ـ فإننى أتركها فى عهدتك المهنية، ترى فيها رأيك حسب تقديرك ـ واثقاً فى كل الأحوال من كفاءتك صحفياً مدققاً ومقتدراً».

ولم تمر 24 ساعة إلا وكان الفقى قد دخل على الخط ليرد على «الأستاذ»، الذى ترك ملحوظة لـ«المصرى اليوم» تقول: «ربما يستطيع أحد خبرائكم القانونيين أن يشرح لقارئكم معنى التعبير القانونى: (شاهد ملك!) وقد اخترته بدورى عنوانا لهذه الرسالة إليك!»، وفقًا لهيكل.

ولخص الفقى رده بقوله: «تركت مؤسسة الرئاسة منذ ١٨ عاماً.. وما قلته (اجتهاد من محلل سياسى)»، وذلك فى رسالته التى بعثها إلى «الجلاد»، موضحًا: «تركت موقعى فى مؤسسة الرئاسة منذ ثمانية عشر عاماً، وبذلك فلست، بأى حال من الأحوال، مصدراً لمعلومات أو أخبار عنها، كما أن موقعى الآن هو دور برلمانى، ولا يتجاوز ذلك، لهذا فلست أنا (شاهد ملك) ولا (شاهد رئيس) فى وضعى الحالى!».

وقال الفقى إن «ما ذكرته عن اهتمام «الولايات المتحدة الأمريكية ـ القوة الأعظم فى عالمنا المعاصر اتفقنا معها أو اختلفنا ـ لأن لها مصالح كثيفة بالشرق الأوسط، فمن الطبيعى أن تكون مهتمة ومعنية بمسألة انتقال السلطة فى أكبر دولة عربية فيه وهى «مصر» ـ أمد الله فى عمر الرئيس الحالى، ولكن لكل أجل كتاب».

كما رأى الفقى أنه «من الطبيعى أيضاً أن تكون «إسرائيل» الدولة العدوانية التى مازالت تستهدف «مصر» وتتطلع إلى «سيناء» فى حقد دفين وطمع واضح، من الطبيعى أن ترقب هى الأخرى ما يجرى على الساحة المصرية بشهية مفتوحة ورصد لا يتوقف، وليس فى الأمرين معاً ـ اهتمام «الولايات المتحدة» أو متابعة «إسرائيل» ـ ما يخالف الأعراف الدولية وطبيعة العلاقات المعاصرة على المستويين الدولى والإقليمى.

ورفض الفقى تعليق هيكل، معتبرًا أن تصريحه مجرد «تحليل سياسى» وليس خبرًا، قائلًا إنه «اجتهاد منى كمحلل سياسى قد يخطئ وقد يصيب، ولكن لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالسياسة والحكم فى «مصر»، والفارق بين «التحليل السياسى» و«الخبر الرئاسى» فارق ضخم لا يحتاج إلى تفسير».

وشدد على أن «طبيعة العلاقات الدولية المعاصرة تقوم على التشابك والتداخل، ولا تقبل منطق العزلة والاستبعاد، بل تتجه أحياناً إلى التوافق الدولى والإقليمى من أجل الاستقرار المشترك فى بعض المناطق، ومن هذا المنطلق فإنه يكون طبيعياً ومتوقعاً أن تهتم الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تتابع إسرائيل احتمالات مستقبل انتقال السلطة فى مصر، وهذا أمر يدرك معناه الأستاذ محمد حسنين هيكل أكثر من غيره بحكم خبرته الطويلة وتجاربه المتعددة».

كما كتب «الأستاذ» رسالة ثالثة إلى «المصرى اليوم» وهى تدخل عامها العاشر، للحديث عن الصحافة «مهنة المتاعب».

وأشاد هيكل فى سطوره المكتوبة إلى ياسر رزق، رئيس تحرير «المصرى اليوم» الأسبق، بتجربة الصحيفة، قائلًا إنها «تظل واحدة من أبرز العلامات المستجدة على الصحافة المصرية فى السنوات الأخيرة الفوارة والجياشة الحافلة بالآمال العظام والمخاطر الكبار»، موجهًا التحية إلى «حلم جسور، وجد إرادة تنفذه».

ولم ينسَ هيكل تحية «قارئ لمح جديداً فأقبل عليه وشجعه وأعطاه فرصة نجاح مشهود فى عمر محدود».