فى صالون السفير!

محمد أمين الأربعاء 17-02-2016 21:37

كانت استراحة محارب، فى بيت عربى كبير.. لا كان هناك كلام فى السياسة، ولا كان هناك كلام فى الاقتصاد.. لا تكلمنا عن الحرب، ولا عن الإرهاب.. لا تطرقنا إلى «الإجراءات المؤلمة» ولا جنون الدولار.. كان الشعر فقط.. الشعر أولاً وأخيراً.. أما صاحب الصالون فهو السفير العربى الكبير أحمد قطان.. وأما الشاعر فهو فاروق جويدة.. وما أدراكم حين يكون «سلطان الشعر»، وتكون الأمسية فى «رياض النيل»؟!

فلا سياسة رغم وجود قامات كبرى، من أول عمرو موسى، ومفيد شهاب، ومصطفى الفقى.. مع حفظ الألقاب طبعاً.. ناهيك عن وزراء سابقين، فى مقدمتهم درية شرف الدين وأسامة هيكل.. لا تحدثنا عن «حب مصر» ولا عن مجلس النواب، ولا عن قانونى الإعلام والصحافة.. مع أهمية ذلك.. كأننا اتفقنا أن نشحن البطاريات ونغتسل فقط.. عشنا لحظات صمت تتخللها الآهات والعبرات مع نجم الصالون!

الجمهور هذه المرة سفراء وكتاب ورؤساء التحرير وشعراء.. من السفراء سعد العلمى، سفير المغرب، ونذير العرباوى، سفير الجزائر، وخليفة بن على الحارثى، سفير عُمان.. ومن الكتاب مكرم محمد أحمد ومصطفى بكرى وأحمد الجمال ومجدى الجلاد وأنور الهوارى ويحيى قلاش.. ومن رؤساء التحرير محمد السيد صالح وياسر رزق وعماد حسين ومجدى سرحان ومحمود مسلم، وكوكبة من كبار الأدباء!

سألت «سلطان الشعر»: لمن تكتب الآن؟.. وكيف ترى جمهور الشعر؟.. أردتُ أن أفتح باباً للكلام، فيما وصل إليه حالنا، وكنت أريده أن يدير نقاشاً حول زمن الشعر فى عصر الإرهاب.. قال «جويدة» إنه لا يخشى على الشعر أبداً.. وسيبقى جمهور الشعر دوماً، رغم ضغوط الظروف الاقتصادية.. فهذا الجمهور هو الذى كان يغنى الأطلال مع كوكب الشرق أم كلثوم، ورغم صعوبة كلماتها، لكنه كان يحفظها!

وليس كل من يكتب الشعر يجيد فن الإلقاء.. لكن «جويدة» جمع بين كتابة الشعر وإلقائه بطريقة آسرة ساحرة.. أحسست وهو يلقى قصائده، خاصة «وفى عينيك عنوانى»، بأننى فى «جلسة مساج خاصة» يمارسها طبيب ماهر لعضلة القلب.. بدأها بتزييت القلب، ونفض عنه الغبار.. والقلب قد أضناه عشق الجمال، والصدر قد ضاق بما لا يقال.. أعادنى ربع قرن للوراء، حين كنتُ أحضر معظم الصالونات الأدبية!

لا أنسى أن أقول أيضاً إنه كان فى «رياض النيل» شاعران رائعان.. هما جمال بخيت وجمال الشاعر.. وكانا يستمعان بإعجاب شديد، وكانا يستزيدان «سلطان الشعر» من إلقاء القصائد.. وهنا قمة الروعة، أن ترى جمهوراً فاخراً على هذا النحو.. ذكرنى بجمهور كوكب الشرق أم كلثوم.. استراح الصدر قليلاً من عنت السياسة.. رحنا نحلق فى الفضاء، حتى علمنا بخبر وفاة بطرس غالى، نزلنا على الأرض من جديد!

الآن أبوح بشىء كان فى صدرى.. حين ذهبت إلى الصالون، تصورت أن توقيت الصالون ليس صدفة.. ظننت أن السفير قطان يقوم بعملية تعبئة، لأى تحرك فى سوريا.. وبعض الظن إثم.. اكتشفت أنه ذكى جداً، ولا يدخل فى مناطق خلافية.. مجرد صالون شعرى فقط.. شحنّا فيه البطاريات، واغتسلنا فى النيل.. شكراً سعادة السفير!