حلم الدجاج الذي يبيض ذهبا

نهى عاطف الأربعاء 17-02-2016 21:38

يسمع الناس عن بلد بعيد يبيض فيه الدجاج ذهبا، ويحلمون بالمثل في بلدهم الذي يخبرهم حاكمه أنه يورد الديوك الممتازة اللازمة لهذا الدجاج. يحلم كثيرون بامتلاك الدجاج ذي البيض الذهبي، خاصة من زار منهم البلد البعيد. لكن من وقت لآخر، يردد مساعدو الحاكم أن «بلادنا لا يجب أن تمتلك مثل هذه المخلوقات، لأنها تضر الاقتصاد الوطني»، وأن «الدجاج ذي البيض الذهبي سوف ينتهي من الوجود آجلا أو عاجلا لأنه لا يتكاثر». بالإضافة إلى حملات توعية- من وقت لآخر- تؤكد على فوائد لحم الدجاج وأهمية بروتين البيض لقوة ونشاط وإنتاجية المواطنين.

لكن شخصا واحدا يملك دجاجا يبيض ذهبا، كان حارس الحي الذي يسكن بهذا الأمر، ويتستر على الرجل مقابل عشر بيضات ذهبية يأخذهم منه شهريا. وبعد فترة، علم كبير الحراس بذلك، فصار الحارس وكبير الحراس يقتسمان مع الرجل البيض الذهبي للدجاج، ثم عرف وزير البلاد، فاتسعت القسمة.. وهكذا إلى أن وصل الأمر إلى أن وصل نصيب صاحب الدجاجة من الذهب إلى لا شيء.

تشاجر الرجل مع الحارس وكبيره، غضب أحدهما فقتل الرجل. مات صاحب الدجاجة التي تبيض ذهبا.

لم يخف الحراس والوزراء خبر مقتل الرجل، على العكس، أذاعوه ليعرف الناس أن شخصا بينهم سعى أن يحصل على البيض الذهبي فانتهى مصيره إلى القتل.

أذاع التلفاز إعلانات تمثيلية قصيرة تنتهى بشعار «من يحلم بالذهب.. قد ذهب» تسمي الحالمين بغير الموجود في البلاد «طامعين»، وتدعو المشاهدين- بأسلوب مباشر- إلى الابتعاد عن فكرة امتلاك الدجاج الذي ييبيض ذهبا، لأنه حلم غير وطني .

وكتبت الصحف عن الحادثة، وأولى معظمها مساحة نشر كبيرة للخبر وتحليله، بعض كبار الكتاب ادعوا معرفتهم بالرجل المقتول، آخرون قالوا إنه على علاقة بأطراف معادية للبلاد، ونسبوا ذلك لوثائق أجنبية لم يوردوها. بينما انتظر القليل منهم لبعض الوقت، ليصدروا كتبا تدافع عن الرجل المقتول، وقد لاقت هذه الكتب رواجا لا يقل عن الصحف التي هاجمته، وربح الجميع.

غير أن ذلك جعل الدجاج الذي يبيض ذهبا حديث العامة ليل نهار، وهو ما أقلق الحاكم الذي أراد أن يربح هو الآخر، فخرج على قومه معلنا وقف توريد الديوك إلى البلد الذي يربي هذا النوع من الدجاج إلى أجل غير مسمى. هذه الخطوة أكدت تخوف الناس من الدجاج ذي البيض الذهبي، وأكدت الشكوك التي أثارها الإعلام عن عدم وطنية امتلاك دجاج يبيض ذهبا.

وغضب حاكم البلد المالك لهذا الدجاج أيضا، لكن بعد فترة قصيرة أرسل له حاكم البلاد برسالة عاجلة قال فيها «صديقي العزيز، سوف منعت بلدنا عن دجاجكم الديوك، لكنني مستعد أن أبعث إليكم بشكل شخصي ديوكا كثيرة، لكن الأمر سوف يكلف بلدكم المزيد». وافق الحاكم على الصفقة التي عرضها صديقه، واشترى منه الديوك حتى لا يقل البيض الذهبي لبلاده.

كان الحارس وكبير الحراس يرون أنه لابد أن يكون لهم نصيب من مكاسب الحدث، قال أحدهم للآخر «نحن بداية هذه السلسلة، نحن من قتلنا هذا الرجل غير الوطني الذي امتلك الدجاجة التي تبيض ذهبا». جمع كبير الحراس رجاله وأعلن على الناس نتائج التحقيقات في مقتل صاحب الدجاجة التي تبيض ذهبا، قائلا: «بعد جهود مضنية توصلنا إلى اللصوص قاتلي الرجل، الأخطر من ذلك أننا وجدنا للرجل المقتول أعوانا يريدون تسريب الدجاج ذي البيض الذهبي البلاد». ودعا كبير الحراس المواطنين إلى توخي الحذر، والإبلاغ عن أي مشبته بهم. ارتاح كبير الحراس وأعوانه بعد هذا الخطاب، ومن وقتها صارت «محاولة تسريب دجاج يبيض ذهبا» عبارة تخلصهم من المساءلة إذا صاروا موضعا لها.

تجار الدواجن أيضا سعدوا بهذا الخطاب، وبسرعة نشروا شائعة أن هناك فعلا عددا من الدجاج الذي يبيض ذهبا دخل إلى البلاد مع الدجاج العادي. فأسرع المواطنون إلى شراء بضاعتهم من الدجاج، عسى أن يجد أحدهم واحدة من هؤلاء ذوات البيض الذهبي. وبعد أن صار البيض الذهبي حلما للجميع، صنع الصائغون حلى ذهبية وفضية على شكل بيض الدجاج، بحيث يقدمها المحبون إلى بعضهم، كأنها رمز لنيل الأمنيات البعيدة المنال، ولاقت هذه الحلى رواجا كبيرا، وانتشرت صورها أيضا على الملابس والإكسسوارات.

صار الحاكم والحراس غير قلقين من تضرر مصالحهم المتعلقة بالدجاج والبيض الذهبي، أصبح الاحتفاظ بالوضع الراهن دجاجة تبيض ذهبا يتقاسمه هو وآخرون من التجار، بالتالي أن يظل هذه الدجاج حلما أفضل – بالنسبة لهم- من أن يتحقق الحلم ويخسروا منافعه.