فى لقاء جرى، أمس الأول، مع المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، استوقفنى أن الرجل حريص على أن يسمع، وأنه ينصت إلى ما يقال أمامه، وأنه يدون بنفسه، فى أجندة بين يديه، ما يراه مفيداً فى برنامج الحكومة الذى سوف تتقدم به إلى البرلمان آخر الشهر، أو حتى فى مهمته كرئيس حكومة بوجه عام.
ثم استوقفنى شىء آخر شكلى، وإن كان وثيق الصلة بالمضمون، وهو أن مساعديه الذين نظموا هذه اللقاءات بينه وبين رؤساء تحرير الصحف، وعدد من أصحاب الرأى، حرصوا على ألا يضم اللقاء الواحد أكثر من خمسة أو ستة، ممن يريد رئيس الحكومة أن يسمع منهم، وأظن أن هذه الطريقة، التى ربما تتم لأول مرة، أدت إلى أن تكون أجواء اللقاء أهدأ، وأن تكون الفائدة بالتالى أكبر.. فلقد حضرت لقاءات عديدة من قبل، فى مقر مجلس الوزراء، مع أكثر من رئيس حكومة، لم يكن من بينها أى لقاء مع الإخوانى عصام شرف، وكان الصخب فيها جميعاً، والشوشرة، ومقاطعة الحاضرين لبضعهم البعض، تجعل رئيس الحكومة غير قادر على الإنصات، وضيوفه غير قادرين على إتمام فكرة واحدة لوجه الله.
هذه المرة كانت مختلفة تماماً، وأظن أيضاً أن رئيس حكومتنا قد خرج من لقاءاته هذه بذخيرة يمكن جداً أن تغير من أداء حكومته من حال لحال آخر، إذا ما أحسن ترتيب ما سمع، ثم الأخذ به، أو بما هو نافع فيه، بنظام، وبدقة، وفى هدوء، ودون تأخير!
ثم استوقفتنى جملة قالها، وهو يمهد لحديثه معنا.. وكانت كالتالى: إن الشعب يريد أن يرى بادرة نحو الإصلاح، ونحو تحسن الأحوال.
وتوقفت، من ناحيتى، عند كلمة «بادرة» هذه، لأن مشكلة المصريين جميعاً، مع الإخوان على سبيل المثال، لم تكن فى أنهم، كجماعة حاكمة فى عامهم الأسود، لم يصلحوا شيئاً، فلقد كان يقين كل مصرى أن الإصلاح فى حاجة إلى وقت، وإلى جهد، ولكن كانت المشكلة الحقيقية أن هذه «البادرة» لم يحدث أن رآها أى مصرى، فى أى أفق، طوال عام الإخوان، فأسقطهم إلى غير رجعة، لأنه أدرك، بحس فطرى عنده، أنهم غير جادين، فضلاً عن أن صالح الوطن، كوطن، لم يكن يعنيهم فى شىء.
وكان تقديرى، أمام المهندس إسماعيل، أنه من المهم أن يعمل وفق منطق «البادرة» فى كل وقت، ولن يتحقق هذا إلا إذا عاد هو نفسه إلى تصريح له، يوم أدى اليمين الدستورية رئيساً للحكومة، فى 19 سبتمبر، فقال إن حكومته سوف تعمل على مستويين متوازيين، أحدهما يعود بحصيلة سريعة يحسها كل مواطن، فى مكانه، والثانى بعيد العائد، بطبيعته، فأنت، كرئيس حكومة، تستطيع أن تعمل على الأسعار، والنظافة العامة، والطرق - مثلاً - فيشعر المصريون بأثر عملك، ويراه كل واحد بعينيه، فى أشهر معدودة على أصابع اليد الواحدة، ولكن الأمر يختلف مع الصحة والتعليم، كخدمتين حكوميتين عامتين، لا بديل من عائد لهما على المدى الطويل، يحترم عقل الإنسان فى مدرسته، وجسده فى مستشفاه.. لا بديل!