الوزير.. الصامت!

عباس الطرابيلي الثلاثاء 16-02-2016 21:26

واضح أن وزير المالية لم يستمع إلى كلمات الرئيس السيسى - فى 6 أكتوبر - عندما ناشد المسؤولين أن يقولوا للناس من أين يتم تدبير الأموال التى تنفذ بها الحكومة كل هذه المشروعات، أو أنه سمع، ولكنه لم يفهم ما يعنى الرئيس.

فالرئيس يقصد أن الدولة تعانى حتى تدبر تكاليف هذه المشروعات، وهى عملية غاية فى القسوة، خصوصاً أن الشعب يعانى.. وينتظر، بل يتعجل الحصول على ما ثار من أجله طوال السنوات الماضية، فهل يا ترى فهم وزير المالية ما يقصده الرئيس؟.. والدليل هذا الصمت الذى يعيش فيه!

إن الفيلسوف الشهير يقول: تكلم حتى أراك.. ولكن وزير المالية، وهو أول المسؤولين الذين يجب أن يتكلموا، مازال مصراً على الصمت.. فهل امتناعه عن الحديث بسبب ضخامة المشكلة.. أم لا يعلم كيف تعانى الحكومة من تدبير هذه المليارات؟.. رغم أن الرئيس كرر ما قاله عدة مرات: قولوا للناس الحقيقة، فربما يشد المواطن الحزام أكثر وأكثر.. أو يزداد صبره إلى أن ينقذنا قرار سماوى، أو يسرع الأشقاء بما يقدمون.. أو ننجح فى جذب المزيد من الاستثمارات.. أو يستجيب الشعب لنداء الرئيس فيقبل أكثر على العمل والإنتاج.. وتأجيل مطالبه.. ولكن ماذا نطلب من وزير المالية؟!

مطلوب أن يخرج الوزير عن صمته ويذكر حقيقة أوضاعنا المالية بشفافية كاملة.. ودون مواربة.. يجب أن يكشف الحقيقة.. ويفتح دفاتره ويكشف للشعب حجم إيرادات الدولة من الضرائب، بكل أنواعها.. ومن الجمارك بكل فئاتها.. ومن الرسوم بكل اختلافاتها وتعددها.

وفى المقابل، يكشف لنا حجم العجز فى الموازنة العامة للدولة.. وكم تتحمل الدولة للوفاء - فقط - ببند الرواتب التى يحصل عليها هذا الجهاز الإدارى الرهيب، الذى «يحصل» دون أن «يعطى» كما يجب.. والعجز المؤلم فى الميزان التجارى، خصوصاً أننا نستورد بما يزيد على 80 ملياراً بينما نصدر «فقط» بحوالى 30 ملياراً.. أى أن العجز فى هذا الميزان وحده يتجاوز رقم 50 ملياراً!!.. وأن يقول الوزير ما هو حجم مساعدات الأشقاء وقروض الأصدقاء.. كم استولت الدولة على المليارات من أموال اليتامى والأرامل والعواجز - نقصد من أموال التأمينات الاجتماعية؟

وهنا لا نقول أن يفعل وزير المالية ما فعله الدكتور محمد الرزاز الذى عمل جهداً كبيراً لزيادة موارد الدولة.. ولا ما فعله الدكتور يوسف بطرس غالى، على نفس الطريق.. لأننا هنا لا نريد من الدولة أن تفرض أعباءً جديدة على الناس، ولو لفترة مؤقتة، لأن الدولة عودت الناس أن تحصل.. دون أن تعيد عندما تتحسن الأوضاع المالية للدولة.. ذلك أن الشعب يقول صراحة إنه لم يقم بالثورتين لكى تزيد أعباؤه.. بل لكى تتحسن أوضاعه.. فكيف نطلب من الناس أن يشدوا الحزام.. أكثر مما شددناه حتى الآن؟!

وعلينا أن نعرف أن مساعدات الأشقاء العرب، وبالذات السعودية والإمارات والكويت، لن تستمر بنفس حجمها الذى قدمته هذه الدول فى السنوات السابقة.. لأسباب عديدة، أولها انخفاض أسعار البترول من حوالى 120 دولاراً للبرميل إلى حوالى 30 دولاراً.. وهو ما اضطر السعودية - مثلاً - إلى السحب من رصيدها الدولارى، الذى انخفض بحوالى 12 مليار دولار فى شهر نوفمبر الماضى.. وأيضاً بسبب المشاكل الرهيبة التى تواجه هذه الدول، وما تحتاجه من نفقات هائلة، وفى مقدمة هذه المشاكل الحرب الدائرة الآن فى اليمن - حيث الحدود الجنوبية للسعودية - أو فى سوريا، حيث المصالح الحيوية للسعودية.

ثم ما أصيبت به مصر من ضربة قاسية فى تدمير معظم عائداتنا من السياحة، وهى عملية لم تضرب فقط موارد الدولة.. ولكن ضربت لقمة العيش لملايين عديدة من المصريين.

** وللأسف لم يتكلم وزير المالية.. وليس فقط استجابة لما نادى به الرئيس لا هو ولا وزير السياحة.. أو أيضاً وزير التخطيط.. ومن المؤكد أن عدم الشفافية فى أفعال كل هؤلاء يجعل الناس لا تعرف الحقيقة، ولذلك تتزايد مطالب الجماهير.

نعم قولوا للناس الحقيقة.. من أين تدبر الدولة كل هذه المليارات لتلبى مطالب الناس.. تكلم يا وزير المالية ليس فقط لكى نراك.. ولكن لكى نعرف الحقيقة.. أم يا ترى وزير المالية ترك موقعه وتخلى عن منصبه بسبب ضخامة المشكلة وصعوبة حلها؟!