الإدارة فى المغارة (6) «السرية والطاعة وكفاية الأداء»

سمير مرقص الثلاثاء 16-02-2016 21:27

(1)

هل تتذكرون مسرحية السكرتير الفنى للعبقرى الذى أعشقه فؤاد المهندس، عندما كان يفاوضه المتميز جدا نظيم شعراوى كى يتولى مسؤولية الشركة التى يديرها مع العظيمة شويكار. حيث قال له إن أول صفة من صفات رجل الأعمال هى: «الكتمان». فكان المهندس يعيد ترديدها بطريقته: «الكتماااان».. أذكر أننى تعرضت لموقف أثناء عملى فى الإدارة المحلية يشابه هذا الموقف، حيث تذكرت رد فعل فؤاد المهندس، واستعادتى لما قام به، بينى وبين نفسى.. يتلخص هذا الموقف فى أنه قد جاء موعد إعداد التقارير السرية التى يتم ملؤها من قبل رئيس العمل منفردا عن الموظفين فى كل قطاع. ثم يتم توقيعها من الرئيس العام للعمل. وهى التقارير التى يتم ملؤها بصورة نمطية. حيث يتساوى الجميع فى التقدير الذى يكون فى الأغلب: «امتياز». وهو التقدير الذى يضمن مبلغا متواضعا، وربما ترقية.. حاولت من خلال النقاش مع المعاونين أن ننجز هذا العمل بصورة جماعية وموضوعية.. وحاولت أن أشير إلى أنه غير منطقى ولا طبيعى أن يتساوى الجميع فى التقدير.. كانت ردة فعل المعاونين هى أن «السرية» طبيعة كتابة التقارير.. وقيلت لى بطريقة، تكاد تكون درامية. وأنه لا يمكن تغيير ما هو مستقر.. ما جعلنى أتذكر فؤاد المهندس، وأردد عقب استماعى لمنطق المعاونين وحجتهم: «السرية».

(2)

حاولت أن أشرح كيف أن الدورة الإدارية لأى منشأة، تتكون من عدة مراحل هى: أولا: وضع الرؤية والتصورات العامة للعمل، ثانيا: التخطيط الذى يترجم العمل إلى واقع، مع تربيط الخطط بالميزانيات المتاحة ووضع جدول زمنى لكل بند من بنود الخطة. ثالثا: التنفيذ وتوزيع المهام. رابعا: التقييم والمتابعة. خامسا: التصويب.. وأن التقييم كإحدى مراحل العملية الإدارية قد تطورت منهجيته وأدواته بصورة كبيرة. فهناك أولا: تقييم يتم للموظفين ميدانيا. أى أثناء تنفيذ الخطة. كما أن هناك ثانيا: تقييما ذاتيا يمكن أن يجريه الموظف لنفسه.. إلخ. ولا يمكن أن يكون الموظف ممتازا فى كل هذه المراحل. فالممتاز فى التخطيط قد لا يكون ممتازا فى التنفيذ.. وهكذا.. الأهم من هذا كله أن التقرير السرى النمطى التقليدى لا يعكس شيئا من عناصر العملية الإدارية من عينة: قدرة الموظف على مواجهة المشاكل، والكيفية التى يواجه بها هذه المشاكل، وقدراته الإبداعية، ومدى تعاونه مع زملائه، وإنجازه المهام فى الأوقات المحددة، وقدراته على التخطيط وتطوير العمل.. إلخ. حيث ينصرف التقرير إلى تقييم مدى الطاعة والولاء.. إلخ.

(3)

وكان سؤالى للمعاونين. ما المقصود بالطاعة ولمن؟.. لم أجد إجابة إلا أننا تسلمنا هذا التقرير من الأقدمين. عدت وطرحت سؤالا عليهم: هل المطلوب من الموظف أن يكون مطيعا أم مبدعا.. لم أجد جوابا.. وأيقنت أن أى تغيير سوف نصر عليه سوف يكون غير عادل إذا لم يتم فى كل أنحاء الجهاز الإدارى. خاصة أن الموظفين فى أمس الحاجة للعلاوة المتواضعة.

(4)

فى موقع إدارى حكومى آخر، وجدت التقرير السرى وقد أصبح اسمه «التقرير السنوى لقياس كفاية الأداء». ولا أدرى تحديدا هل تم تطوير التقرير القديم. أم أن التقرير القديم لم يزل موجودا فى بعض الجهات وتحديدا المحليات. وأن التقرير الجديد تم تطبيقه فى أماكن معينة. أو ربما يكون تم إعداده بمرجعية قانون الخدمة المدنية.. أيا كان الجواب، قلت خيرا أنه تم استحداث الجديد فى هذا المقام. ولكن ما إن اطلعت عليه حتى انتابتنى صدمة من غموض التقرير وسوء اللغة المكتوب بها. وقد حاولت من خلال النقاش مع البعض أن أعرف منهم هل يفهمون الصياغات المذكورة وما المقصود بها بدقة. فلم أحصل على إجابة واضحة المعالم.

(5)

والنتيجة السابقة هى ما أخشى منه إذا ما تقرر صدور قانون الخدمة المدنية بعد إدخال تعديلات عليه. فقانون الخدمة المدنية الذى صدر فى مارس 2015، ثم لائحته التنفيذية فى نوفمبر 2105، يتضمنان بندا يوصى بتكوين لجنة للتنمية البشرية، وممن تتكون (المادة 4). كما حددت أدوارها فى: التدريب (المادة 12). وتقويم أداء الموظفين (الباب الثالث: مواد من 69 إلى 90). ولا شك أن الأمر يعد خطوة لتقنين فكرة التقويم المؤسسى وفق معايير مختلفة تقترب من الحداثة وذلك بمحاولة وضع معايير موضوعية للتقييم كما جاء فى المادة 69. إلا أن قراءة البنود التالية تؤدى إلى نفس النتائج. فهى تحصر التقييم فى يد السلطة المختصة، كما أنه ـ بغض النظر عن تشكيل لجنة أو إدارة أو مركز للتنمية البشريةـ فإن تقرير التقويم السنوى يسير فى نفس المسار الإدارى المغلق القديم. ويبدو لى أن كل ما سوف يمكن أن تتحكم فيه هو عدم جواز حصول كل الموظفين على درجة ممتاز لأن المادة 82 تمنع ذلك وفق محددات معينة.

(6)

وعليه، فإن ما يضمن أن يكون التقييم موضوعيا ووفق معايير حداثية مؤسسية هو أن يتم تحريره من السلطة المختصة من الغموض، ومن العبارات الإنشائية، والكلمات الفخيمة مثل: الطاعة، والسرية.. إلخ. لضمان أن يكون التقييم وفق المعايير والضوابط العلمية المتعارف عليها فى مجال التقييم المؤسسى الذى صار علما يتطور كل يوم. ومن ثم نحصل على نتائج جادة وحقيقية.. ونخرج بالإدارة من جوف المغارة إلى نور الدنيا الجديدة.. ونواصل.