45 سنة.. حب

مي عزام الإثنين 15-02-2016 22:54

كان ياماكان ...هكذا تبدأ الحدوته ...وتنتهى بعاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات، التبات والنبات هو الاستقرار (المقصود ثبات) والنبات معناه الخير والسعة، ثم يأتى الصبيان والبنات، يجمع الراوى بين المال والبنون ومعهما هدوء البال، نهاية الحكاية هي في الحقيقة بداية لحكاية أكثر أهمية وأطول عمرا، ماذا بعد الزواج والانجاب والعشرة؟، هل يصمد الحب مع الزمن أم يتهاوى مع ضعف البنية ووهن الشيخوخة !؟...
الناضجون يفضلوا أن يطلقوا على تلك المشاعر «العشرة الطيبة» بدل الحب، الذي ارتبط بإذهاننا بمرحلة الشباب.
عندما قدم المخرج مايكل هانكه فيلمه الرائع «حب»عام 2012 كان مفاجأة ،القصة تدور حول زوجان في الثمانين من عمرهما جورج (جان لوى ترينتينيون )وآن (إيمانويل ريفا )، أحداث الفيلم تدور كلها داخل جدران منزلهما الباريسى العتيق مثلهما المزدحم بذكرياتهما، والذى تحول مع الزمن لعالمهما الخاص الذي يشبههما ويشعران فيه بالراحة والسكينة.
تبدأ الفكرة الأساسية للفيلم عندما تتعرض الزوجة لنوبتين متتاليتين جراء جلطات في دماغها، وهو ما يفقدها القدرة على الحركة جزئياً والقيام بأمور حياتها اليومية بشكل يزداد سوءاً يوماً بعد يوم حتى ينتهى بها الحال للشلل.
وبينما تذوي حياة الزوجة «آن» يقف الزوج «جورج» عاجزاً أمام هذه الحالة المؤلمة، وهو يرى حبيبته تنسحب من بين يديه. ليبدأ حبهما العميق بالظهور. حيث يلتزم «جورج» بالعناية بزوجته المريضة وتقديم كل ما يوفر لها الراحة والاطمئنان النفسي، رغم أنه أصبح عجوزاً ولم يعد قادراً على القيام بكل شيء وحده، لكنه يرفض ان يترك آن في دور رعاية كما تحاول ابنته ان تقنعه ويفضل ان تبقى معه في المنزل ويستعين بممرضه.
القصة عادية ولكنها تحوي في ثناياها الكثير من التفاصيل الدقيقة التي ترسم ملامح الحب بين الزوجين وحالة الارتباط الراسخ بينهما، ونرى كيف أن الزوجين وصلا لمرحلة عالية من الحب لبعضهما فلا يقبلان بتدخل أحد في مشكلتهما التي يتعاملان معها وكأنهما شخص واحد حتى ولو كان الذين يحاولون التدخل هم أناس محببون لديهما كابنتهما الوحيدة «إيفا». كما أن حبهما وصل لدرجة أنهما يعرفان كل شيء عن بعضهما حتى إنهما يفشيان أدق الأسرار لبعضهما خوفاً من أن تنتهي الحياة فجأة دون أن يقول كل منهما للآخر كل ما يريد قوله.
نهاية الفيلم جاءت ملائمة لشخصياته وأحداثه، الزوج المحب لم يستطع أن يرى حبيبته وهى على هذا الحال، فخلصها كما ارادت وهام على وجهه، وقد اختفى الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال فآن مازالت تعيشه.
الفيلم نال جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان واوسكار أحسن فيلم أجنبى.

لقطة من فيلم حب

الزمن لم يكن عدو جورد وآن بالعكس، حبهما ازداد قوة وصلابة مع الأيام، فكل منهما يعيش الآخر ببساطة وبدون أي ادعاء، وهو عكس ما نراه في فيلم«45 سنة»والذى تدور أحداثه ايضا حول زوجين في نفس العمر تقريبا، جيف(توم كورتناى ) وكيت (شارلوت رامبرنج ) تزوجا عن حب قبل 45 سنة، ولكن من اللحظة الأولى نشعر بالخواء، المنزل الذي يعيشان فيه في منطقة ريفية في انجلترا تحيط به مساحات فضاء كبيرة كعالمهما، في فيلم «حب» مرض الزوجة هو نقطة الانقلاب الدرامى، وفي الثانى، الخطاب الذي استلمه الزوج من السلطات السويسرية ويخبروه فيه أنهم وجدوا جثة صديقته «كاتيا»التى أختفت منذ 50 عاما في الجبال السويسرية بعد ان ذاب الجليد ،هذا الخبر العارض يكشف أعماق علاقتهما ببعضهما وعلاقتهما بالعالم والزمن، ويأتى قبل اقل من أسبوع على الحفل الذي ستقيمه الزوجة للاحتفال بمرور 45 سنة على زواجهما في قاعة أنيقة بحضور المعارف والاصدقاء.

ينشغل جورج بالتفكيرفى صديقته القديمة ،ويسترجع ذكرياته معها بالرجوع إلى صورها وخطاباتها التي كان يحتفظ بها في السندرة ،في البداية يشارك كيت مشاعره ولكنها تبدأ في الضيق عندما تجده يكثر الكلام عن كاتيا وتشعر بالغيرة والتوتر.

في فيلم «حب» الزمن ليس عنصر ثقيل على الزوجين، لايشعران أنه ضدهما، لكن في فيلم 45 سنة، نجد الزمن يمثل عنصر ضاغط على كيت التي تنظر لنفسها كثيرا في المرآة وتشعر ان جمالها الباهر لم يعد له وجود، فصورتها التي تظهر في المرآة وجه عجوز ترسم التجاعيد تفاصيله ،وتشعر أن حياتها ليس فيها ما تتذكره، فهى لم تنجب وليس لديها صورا تعلقها على الحيطان كما تفعل صديقتها «لينا» بصور أسرتها واحفادها، الزوج لايشاركها في جولتها الصباحية التي يصاحبها فيها كلبها، بل اصبح منعزل لايستريح في جلسات اصدقائه الذين يفتخرون بإنجازاتهم وقصص اولادهم واحفادهم.
هذا الفيلم ايضا نال الجائزة الثالثة في مهرجان برلين وحصل البطلان على جائزتى احسن تمثيل.

لقطة من فيلم 45 سنة

الفيلمان يقدمان ملامح الحب مع مرور الزمن ... البداية هنا ليست كان ياماكان ... ولكن بعد أن عاشوا في تبات ونبات.

Ekteblyhotmail.com