6 أماكن «جمعت شمل الأحبة»: حديقة الأسماك لم تفقد بريقها

كتب: أحمد يوسف سليمان الأحد 14-02-2016 11:02

مشهد واسع لملهى ليلى في الستينيات، الرؤية مشوشة، اللمبات المُلونة المُتحركة هي مصدر الإضاءة الرئيسى، يضيق المشهد إلى تلك المائدة التي يجلس عليها شابٌ وفتاة، يبدو أنهما حبيبان، طلبا كوبين من الليمون، ثُم دعاها هو للرقص، ووسط المسرح الدائرى، أخذا يرقصان في حركاتٍ عشوائية، في إحدى رقصات التويست أو الهيبيز، هدأت تلك الحركات العنيفة، مع هدوء الموسيقى، إلى رقصةٍ أكثر رومانسية، هُنا اجتذبها من خَصرها، فأراحت ذقنها على كتفه، وتناغمت حركاتهما سويًا في إيقاعٍ مُنتظم.

الكاميرا تقْفز عِقدين من الزمن؛ الثمانينيّات، هي الآن تتتبّع خطوتين على الطريق، تعلو قليلًا لتكشف عن يدين متشابكتين، كأنما تاهت عُقلات أصابعهما في بعضها، المشهد الآن أوسع، الحبيبان توقفا عند بائع بطاطا واشتريا اثنتين، وجلسا في رحاب النيل يتحدثان طويلًا في جملٍ متقطعة، يملأ فراغاتها صوت الباعة على الكورنيش، وصخب المارّة، فيستجديان هدوءًا في طاولة داخل أحد النوادى المُطلة على النيل.

العام 2016، هو وهى ينظران إلى الماء، فوق كوبرى قصر النيل، يحتضن أحدهما الآخر، فيقطع همسهما تلك الفتاة الصغيرة حاملةً بعض الوردات المُغلفّة «وردة للآنسة يا بيه»، فينهرها «مش عاوزين يا حبيبتي»، ثُم يستكمل ما كان من همس.

قبل عقود، كان الأحبة يختصون أماكن معينة بلقاءاتهم، أماكن عامة، قد يكون غرضها الأساسى غير اللقاء، لكنها وفّرته بشكلٍ جيد لمن أراد التنزّه وإطفاء نيران الشوق بسويعاتٍ قليلة، في إطارٍ علنى، بعيدًا عن شبهات السريّة.

حديقة الأورمان

قصص الحب التي شهدها الكوبرى الخشبى الذي يقطع جدول المياه في الحديقة، ركدت، كتلك المياه تحته، بينما ينشغل الجمهور القليل في الحديقة، بالتقاط الصور، بالنسبة للشباب، وتُفضّل الأسر الجلوس في جماعات أسفل الأشجار، يفترشون الأرض الخضراء، يقتاتون بعض الطعام.

«خلى بالك من زوزو اتصوّر عندنا هنا»، يقول د. سيّد حسين، مدير حديقة الأورمان النباتيّة؛ المشهد الذي استهل الفيلم في الأغنية الاستعراضية، التي صورتها سعاد حسنى مع أصدقائها في الجامعة داخل الحديقة، وهذا يُمثل جانبًا كبيرًا من روادها، فالحديقة المواجهة للباب الرئيسى لجامعة القاهرة، تستقبل العديد من الطلبة، مقيمين للحفلات، مُتنزهين، أو في ثُنائيّات للحُب، هكذا قال «حسين»، مُضيفًا أن جمهوره يتعدد أيضًا بين أسر وعائلات، وأيضًا طلاب وأساتذة بكليات علمية على مستوى الجمهورية، باعتبار «الأورمان» مقصدًا لما تحويه من النباتات النادرة، وخدمات التعريف للمجهول منها.

يوضّح د. سيد حسين «الحديقة كان معروف عنها إنها ملتقى الأحبة من السبعينيات، لكن الإقبال قل بعد الثورة، لكنه رجع نسبيًا، بعض الأسر والطلبة بييجوا يقضوا يومهم هنا»، مُشيرًا إلى أن الإقبال يزيد يومى الجمعة والسبت، لكن بالنسبة للثنائيّات فلم تعد معهودا بها للمكان كما كان، غير النزر اليسير منهم.

جروبّي

ملف عيد الحب

«الساعة 7 قُدّام جروبّي»، الشاهد على لقاءات الأحبّة، ومحِل المواعيد الغراميّة، أحد أماكن الصفوة قديمًا، وأشهر محال الحلوى، وماركة المُثلّجات الخاصة، الذي يطل على ميدان طلعت حرب، فما أنسب من منطقة وسط البلد كى تلتقى حبيبك، وما أجمل من جروبّى للانتظار أمامه، وما أشهى من كوبين من «الآيس كريم» ثُم التمشية في شارع طلعت حرب.

لم يعُد «جروبّي» بنفس الزهو، بعد بيعه للشركة العربية للأغذية، رغم أنها حافظت على طابعه القديم، غير أن الحالة التي كان يعيشها الأحبة داخله اختفت، وأصبح المقر الأول في طلعت حرب، شاهدًا على العديد من ساعات الانتظار التي قضاها الأحبة أمامه.

كازينو النيل

ملف عيد الحب

كان أحد الأماكن الشهيرة للقاءات النيليّة، فهو يتخذ مكانه في آخر كوبرى قصر النيل، على اليسار، ناحية دار الأوبرا، وبينما كان مقصدًا للعشاق قديمًا، بما يوفره من مميزات الجِلسة اللطيفة، أصبح الآن خاليًا منهم، فهم يفضلون الانتشار على جانبى كوبرى قصر النيل، في ثنائيات، يتنشّقون الهواء، ويستمتعون بالمنظر الجميل، بعيدًا عن تعقيدات الأسعار، متحلين ببعضٍ من الحرية.

جنينة الأسماك

ملف عيد الحب

للراغبين في الجمع بين الهدوء التام والمناظر الطبيعية الجميلة، فالحديقة تتوسّط جزيرة الزمالك، التي تبدو منعزلة عن ضجيج المدينة، وزحامها، والأمر أهدى داخلها، فالحديقة الواسعة كثيفة الأشجار، توفّر جوا من العزلة والهدوء، للثنائى الذي يرغب بتلك الحالة، وبين تلك الخُضرة والعُزلة، تتواجد أحواض الأسماك، في مزيجٍ جميل، يُتيح فُسحة لبعض الغزل، تجديدًا للحب وبردًا وسلامًا لبعض الشوق.

السينما

فيلمٌ رومانسى، غير مُبتذل، تذكرتان في الصفوف المُتأخرة، ليس لغرضٍ إلا العُزلة والهدوء، بعض المُقبّلات، تجتازُها قُبُلات، تلك التي تُسرق في ذروة مشاهد الرومانسيّة على الشاشة، فيتورّد خد الفتاة حتى يكادُ يلفت الأنظار عن ضوء ماكينة الأفلام، فيُطلق الشاب يده إلى كتفها، ويضُمها، فلا يعرفا بعد غير الصمت الجميل.

الكورنيش

يسير الثنائى فتجتذبهما رائحة النيل المُمتزجة ببعضٍ من فحم عربة البطاطا، ونار الذرة المُنسعرة، ودفء حُمص الشام، فيخترقانِ هذا الجو الحالم، يفترشان مقعدًا على الكورنيش ويحظيان ببعضٍ من كُل شيءٍ حولهما، يزيدان عليه قِرطاسين من الترمس، وهُما يقتفى كل منهما أثرُ عينى الآخر، فلا يعُد هُناك في الكونِ شيءٌ يكفيهما عمّا هم فيه.

الأمر الآن أصبح حبيس الجدران غالية الأسعار، في «الكافيهات»، المطاعم، ودور السينما، ويجد الحبيب ضرورة في أن يكون مكان اللقاء معروفًا وغاليا، حتى ولو لم يوفر لهم جِلسة مُناسبة، فهو لا يريد أن يظهر بخيلًا غير ذى مالٍ أمام حبيبته، حتى وإن لم تفكر هي في ذلك، الأمر الآن أصبح متعلقًا أكثر بالمال، ومن يشعر بذاك الضيق ممّن رحم ربّى، يلفظ أنفاسه على ضفاف النيل، أو أماكن غير مُتكلفة ولا تُحيطك بقيودٍ مالية، وتترك لك فُسحة تُمارس فيها بعضًا من طقوس الحُب.