حين شاهدنا فيلم «هى فوضى» للمخرج خالد يوسف رأيناه يحمل رسالة تحذير للقائمين على أمر الشرطة أن يسارعوا قبل فوات الأوان وخروج الأمر من أيديهم إلى أيدى الشعب لوضع حد للتجاوزات البشعة التى يرتكبها أمناء الشرطة فى الأقسام بحق المواطنين. ولأن القيادة - شرطية أو سياسية - كانت تنظر إلى تلك التجاوزات باعتبارها «حالات فردية» لا تشكل ظاهرة. وأن «حاتم» واحد بكل ما يرتكبه من حماقات لا يمثل الطائفة كلها أو حتى البعض منها. وأن الجهاز خال من «حواتم» آخرين يعيثون فى البلاد إفسادا وفسادا. كانت النتيجة أن جاءت النهاية فى الواقع مطابقة لنهاية الفيلم حين خرجت الجماهير فى يناير لتثأر من كل «حاتم» ارتكب فى حقهم ما خرج به من عالم القانون إلى عالم الجريمة. وحين عادت الشرطة إلى أماكنها بالأقسام استبشرنا خيرًا فقادنا حُسن النية فى جهازها إلى الرجاء بأن المنحرفين من رجالها قد استوعبوا الدرس مدركين أنهم وإن أفلتوا من عقاب القانون على ما ارتكبوه فإنهم لن يفلتوا من عقاب الشعب الذى بات حاضرًا فى المشهد بعد ثورة يناير. ولكن ماحدث كان عكس ذلك للأسف. فقد عاد الكثيرون من رجال الشرطة مسلحين بروح الانتقام لما حدث. وبدلًا من نشر الأمن والأمان راحوا ينشرون الذعر والخوف فى صفوف الجماهير ردًّا على ما جرى فى يناير. فتقاعسوا عن ملاحقة المجرمين واللصوص باعتبار هؤلاء جزءًا من الفاتورة التى ينبغى على المواطنين سدادها لهم. بل لم يكتفِ كثير من الأمناء بذلك فراحوا يمارسون الجرائم وأعمال البلطجة بأنفسهم فى حق المواطنين. فتوالت الأخبارالمسيئة لجهاز الشرطة عبر أجهزة الإعلام يوميًّا. من تعذيب وقتل واغتصاب وإهانة سواء فى الأقسام أو خارجها. وبدلا من أن تتدخل القيادة - سياسية أو شرطية - لوضع حد لمثل هذه الانتهاكات التى باتت تشكل ظاهرة. راحت تهون من الأمر مدعية فى كل مرة أنها حالات فردية وتخضع للتحقيقات التى لم نعُد نعرف مصير واحد منها حتى الآن. ونوع الجزاء الذى حل بأحد مرتكبيها رغم فظاعة الجرم الذى ارتكبه. هكذا أدى التراخى الواضح فى تعامل القيادات مع تلك الحالات إلى تفاقمها حتى باتت تهدِّد هيبة الدولة وتفقدها الثقة والاعتبار، كما تسهم فى إضعافها سبيلًا إلى الاضمحلال. كذلك فإن تأجيل المواجهة بحجة الحرب ضد الإرهاب وسقوط ضحايا من رجال الشرطة فيها يمثل حائلًا دون فتح الملفات فى هذا الظرف غير الموائم. إنما سيؤدى حتما إلى إضعاف التعاطف الشعبى مع الشرطة. وانعزالها عن ظهيرها الجماهيرى فى تلك الحرب فتصبح عارية الصدر بل ومكشوفة الظهر فى تلك الحرب التى لن تكسبها دون دعم شعبى تضعفه حتمًا ممارسات فظة من بعض مرضى النفوس وضعاف العقول فى جهاز الشرطة خاصة فى جماعة الأمناء.
لم يعد «الأمناء» أمناء. ولم تعُد وظيفتهم تنفيذ القانون، بل الخروج عليه. فمتى يدرك المسؤولون خطورة ذلك والتصدى له بكل حزم، حتى لا تعود البلاد إلى الفوضى، فيعاود البعض منا الصراخ مرة أخرى: إحنا آسفين يا مبارك.. إحنا آسفين يا حاتم!