هل سمع وزير الداخلية الهتاف؟

حمدي رزق السبت 13-02-2016 21:16

أخشى أن اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية، بيسمع من هنا ويفوّت من هنا، لعله سمع جيداً الهتاف البغيض: «الداخلية.. بلطجية»، بالطاء بالتاء.. للأسف الهتاف واحد.

مؤشر خطير ظهور هذا الهتاف المحزن على الداخلية، وبعد خمس سنوات عجاف نزفت فيها الداخلية زهرة شبابها، وسيتكرر الهتاف فى قادم الأيام، ويُستخدم على نطاق واسع للحفر مرة أخرى، وبعمق، بين الشرطة والشارع تمهيداً لما هو قادم.. وهو أخطر!.

بيسمع من هنا ويفوّت من هنا وحتى هناك، الوزير سمع جيداً تحذيرات مخلصة من مغبّة إطلاق هذا الهتاف فى «دار الحكمة»، وعودة الهتيفة ضد الداخلية، وقلنا إذا هتف أحدهم مرة فستهتف الآلاف من أمامه ومن خلفه، والحكمة تقتضى خطوات يقطعها الوزير إلى «دار الحكمة» لنزع فتيل الأزمة المتفجرة بين نقابة الأطباء والداخلية، والمرتهنة بتحويل أمناء الشرطة إلى التحقيق، وقد كان قبل انعقاد الجمعية العمومية الطارئة للأطباء باكتساح فاق كل التوقعات.

لم يسجل الوزير هدفاً من فرصة سانحة وسهلة، وأطاح بالتمريرة الهائلة فوق العارضة، الوزراء الأمنيون لا يُحسنون وضع الكرة فى مرمى الخصوم، يسجّلون عادة فى مرماهم أهدافاً مؤثّرة، والحكمة ضالة الوزير السياسى، والهرّاوة حيلة الوزير الأمنى.

«عبدالغفار» لم يستغل الفرصة لإثبات أهلية سياسية فى إدارة الأزمات الأمنية، ولم يحمِ شرطة مصر من هتافات بغيضة، ولم يتحمّل وِزر أخطاء رجاله، ولم يقف من حق الأطباء موقف المنتصر لقضية عادلة، رغم إيقاف الأمناء داخلياً انتظاراً لمحاكمتهم جنائياً، والتى سيترتب عليها حتماً عقاب عسكرى، حسب لوائح وزارة الداخلية.

الفرصة الضائعة من الوزير كلّفته وكلّفت الحكومة، بل كلّفت النظام كله، هذا الهتاف البغيض، الداخلية ليست جزيرة منعزلة عن الحكومة، وليست بمعزل عن نظام الحكم، ونظم الحكم تكتسب شعبيتها باستقامة داخليتها، ودولياً تُقاس رشادة النظم الحاكمة برشادة تصرفات أجهزتها الأمنية وتعفّفها فى مجال حقوق الإنسان، والوزير لم يضرب مثلاً سياسياً يُحتذى، وكان خليقاً برجل الأمن السياسى أن يقف موقفاً عادلاً من الاعتداء على الأطباء المنوط بوزارته السهر على حمايتهم.

خسرت الداخلية مباراة «عض الأصابع» مع نقابة الأطباء، وعلى الوزير أن يُحصى آثار الخسارة المترتبة على هذا الهتاف البغيض، الداخلية التى تنزف دماً، وتشيّع شهداء يومياً صارت بلطجية، عندما يغيب العقل السياسى فى إدارة المشهد الأمنى فتوابعه خطيرة، والاحتراف الأمنى يواكبه احتراف سياسى، ولو هناك محترفون فى الداخلية لأنهوا المباراة لصالحهم ولهتفت لهم جمعية الأطباء الحاشدة، ولكن ما باليدّ حيلة، الجميع سعى إلى الهتاف، وتردد صداه فى شارع قصر العينى، وركب على أكتاف الداخلية من ركب، ولو شاء لمدّد رجليه.

غياب التوفيق عن وزير الداخلية صاحبه غياب تام للحكومة فى هذه المباراة، حكومة ليست مُسيّسة بالمرة، لا رئيس الوزراء قام بالمطلوب ولا أعطى تعليماته وتوجيهاته إلى وزير الداخلية، واكتفى وزير الصحة الدكتور أحمد عماد بإعلان خبر فتح التحقيق مع أمناء الشرطة بتواصل مع النائب العام، ونسى أو تناسى أن هناك جمعية عمومية طارئة كان من الحكمة أن يحضرها ويشرح للحضور الشرس موقف الحكومة فى هذه القضية، وأنها تقف مع القانون، وأن القانون سيطبق على المعتدين، وأن فتح التحقيق مع الأمناء كان بسعى حكومى تزامن مع تقديم البلاغات.. فضّل تقديم تقرير للسيد رئيس الوزراء عن تداعيات الأزمة!.

غاب الوزير أحمد عماد عن وقفة واجبة مع زملائه أولاً، غاب عن مطالب مشروعة فى توفير الحماية المناسبة للمستشفيات وطواقم الأطباء والتمريض، ضيّع فرصة هائلة بغياب تام، وكان حضوره مهماً، أقله ينقل إلى رئيس الحكومة ما يجب على الحكومة اتخاذه من تدابير واحترازات لتمكين الأطباء من العمل فى مناخ آمن بعد أن فقدوا الثقة فى أمناء الشرطة، الذين داسوا الأطباء بالأحذية وشدوا الأجزاء، من يضيّع كثيراً يخسر بالجملة!