لا السائق.. ولا عامل التحويلة!

سليمان جودة الجمعة 12-02-2016 21:12

قبل أيام، اصطدم قطاران فى ألمانيا بما أدى إلى سقوط 90 مواطناً ما بين قتيل ومصاب!.. وكان هذا الحادث الذى هز ألمانيا هو الأول من نوعه هناك، منذ زمن طويل!

ثم قبل أيام أيضاً، كانت وزارة النقل الأمريكية قد أعلنت أن حوادث الطرق فى الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 9.3٪، فى الأشهر التسعة الأولى من عام 2015، بالمقارنة بالفترة نفسها، من العام السابق عليه، وكان السبب هو زيادة حركة المواطنين على الطرق، لأن سعر البنزين قد تراجع!

ومما قالته وزارة النقل الأمريكية أنه قد تبين لها أن 94٪ من الحوادث، أسبابها بشرية وإنها تعمل بجدية فى اتجاه معالجة سلوك السائقين.

وعندما وقع حادث قطار بنى سويف، أمس الأول، سقط 70 مصاباً، وطلب وزير النقل من مدير الأمن عدم وضع الكلابشات فى يدى السائق حتى يتبين للوزارة السبب الحقيقى وراء الحادث، وما إذا كان هو السائق فعلاً أم عامل التحويلة!

وفى كل مرة، لا يخرج السبب، فى أى حادث، سواء كان حادث قطار أو حادث سيارة، عن السائق، أو عامل المزلقان، أو عامل التحويلة، بما يعنى أن السبب بشرى فى أغلب الأحوال، وهو بالضبط ما تقول به وزارة النقل الأمريكية.. فما الفارق بيننا وبينهم؟!

الفارق أنهم حددوا السبب، بل حددوا نسبة هذا السبب بالمقارنة بالأسباب الأخرى غير البشرية، ثم ذهبوا إلى علاجه من أقصر طريق، ولذلك كان حادث القطارين فى ألمانيا، مثلاً، استثناء من نوعه اهتزت له البلاد، وليس قاعدة على الطريق كل يوم!

ثم كان الفارق أيضاً أن زيادة حوادث الطرق فى الولايات المتحدة، مرصودة جيداً، ليس فقط كزيادة، وإنما كأسباب تقف وراءها!

وقد كنا فى زمن سابق نكتب عن حوادث الطرق عندما تقع، وجاء علينا زمن، فى هذه الأيام، لم نعد فى حاجة إلى مناسبة نتعرض فيها للموضوع، لأن المناسبة صارت قائمة كل يوم تقريباً، وإذا لم تكن على السكة الحديد فسوف تكون على أى طريق!

وإذا كان وزير النقل قد طلب عدم وضع الكلابشات فى يدى السائق، حتى يرى ما إذا كان هو السبب أم عامل التحويلة، فمعنى هذا أنه كوزير مسؤول يعرف أن الخطأ سببه بشرى فى الحالتين!

ولابد أن هناك فارقاً بين أن أعرف أنا، أو تعرف أنت، أن هذه هى طبيعة السبب، وبين أن يعرفها الوزير المسؤول.. فأنا أو أنت لا نملك التعامل مع السبب من أجل تغييره، ولكن الوزير يملكه، ويستطيع إذا أراد أن يُخضع سائقيه، وعمال مزلقاناته، وعمال تحويلاته، منذ الغد لا بعد الغد، لدورات تدريب، لا تستثنى منهم أحداً، ولا نتوقف، فيتغير الحال بعدها، من تلقاء نفسه، على السكة الحديد، ثم على أى طريق تجرى عليه أى سيارة.. وبالطبع فإن هناك أسباباً أخرى تتعلق بالسيارة نفسها، أو القطار نفسه، كآلة، وتتعلق بالطريق سواء كان سكة حديد، أو طريقاً برياً.. ولكن يبقى الإنسان هو الأساس، ويبقى أن نقول، للمرة الألف، إن الاستثمار فى الإنسان هو أغلى استثمار، من حيث عوائده المؤكدة، لأن الحكاية أكبر من مجرد سائق هنا، أو مجرد عامل تحويلة هناك!

الإنسان أولاً.. وعاشراً.. وما عداه هوامش.

وإذا كان للوزير، ومعه رئيس الحكومة، وقبلهما رئيس الدولة، أن ينشغلوا بشىء، فهذا الشىء ليس أن نتمهل لنرى فى أى يد يجب أن نضع الكلابش، وإنما فى كيف تخضع هذه اليد نفسها لتدريب يرفع من مستوى أدائها، ويُبعدها عن الكلابش، ثم يُبعد ضحاياها بالتالى عن أن يكونوا فريسة للأداء الردىء!