استوقفنى خبر إعدام كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، أحد قادتها المهمة والفاعلة، فقد كان «محمود شتيوى» مسؤولا رفيع المستوى في كتائب القسام، ومن ضمن مسؤولياته الإشراف على الأنفاق التي كانت تستخدم في تخزين الأسلحة وتنفيذ هجمات ضد إسرائيل كان من بينها الهجوم على مستوطنة «ناحل عوز» التي قتل فيها عشرة جنود عام 2014، واكتفت كتائب القسام بإصدار بيان مقتضب توضح فيه أسباب الإعدام متذرعة بأنه متهما بـ«تجاوزات أخلاقية وسلوكية»!!، هذا البيان الغامض أثار حفيظة وغليان عناصر أخرى في كتائب عز الدين القسام رأت فيه ظلما وتشويها لتاريخ قائد ميداني مشهود له بالكفاءة والإخلاص والتفاني في خدمة التنظيم.
عائلة القتيل أصدرت بيانا شديد اللهجة يستنكر ما حدث لابنها المغدور، وينفى الاتهام الواهى الذي أدى إلى قتله، وقبيل إعدامه تناقلت وسائل الإعلام فيديو لوالدته تناشد فيه قائد القسام «محمد ضيف» أن ينظر لقضية ابنها بعين العدل ويستمع لصوت الضمير فيما نسب إليه، وطالبته بالوقوف على حقيقة اعتقاله التي مازالت مجهولة لعائلته، مذكرة الكتائب بما ضحت به العائلة من أجل نصرة حركة حماس وكتائب القسام، وأنها لم تأل جهدا في تقديم الدعم اللوجستي للحركة وجناحها العسكرى إيمانا منها واقتناعا. لم تصمت العائلة كثيرا بعد تلقيها صدمة إعدام ابنها المفاجئ، وكانت قد تلقت وعودا قاطعة بالإفراج عنه التي لم يتحقق أي منها، بل زاد على ذلك تشويه تاريخه النضالي وتاريخ عائلته المساند لحماس والقسام، فأكدت العائلة أن اعتقال ابنها والتحقيق معه بوحشية ومن ثم إعدامه، كان على خلفية خلافات بينه وبين رئيسه المباشر «يحيى السنوار» الذي شهر بعائلته أيضا!!
إعدام «محمود شتيوي» لم يمر مرور الكرام بل أثار غضبا عارما داخل كتائب القسام التي نال منها الانقسام، وطالب بعض عناصرها بفتح تحقيق محاييد لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الإعدام، مؤكدة أن كل جريمته كانت تواصله مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، على غير رغبة قياداته، وهو الأمر الذي جعل هذا الفريق يصدر بيانا باسم «لواء القساميين الأحرار» مفندين الأكاذيب التي روجتها حماس خلال الفترة الماضية حينما أعلنت إعدامها لـ«شتيوى» في ضوء الخلافات الحادة داخل حماس بين مجموعة غزة والخارج، فإذا كان التواصل مع قيادات الخارج يعتبر جريمة، فهم في لواء «القساميين الأحرار» جنود خلف القائد العام خالد مشعل!!.
إن إعدام أحد قادة القسام بهذه الطريقة ولأسباب غير واضحة والبيان الصادر عن لواء انشق عن كتائب القسام «القساميين الأحرار»، يشي بالمزيد من الانقسامات والخلافات داخل الجناح العسكري لحماس، ويؤكد أن الخلافات بشأن الولاء لرئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل مازالت محل جدل، وأن الخلافات بين الداخل والخارج مازالت قائمة، وبالعودة قليلا إلى الوراء وبالتحديد منذ إعلان الدوحة للمصالحة عام 2012 الذي تبناه وقاده خالد مشعل، والخلافات الحادة بينه وبين قيادات الحركة في الداخل على أشدها، ووصل إلى الهجوم المباشر والعلني على مشعل من بعض قياداتها، خاصة بعد إعلان حماس المسبق في يناير عام 2012 في بيان لها قالت فيه إن خالد مشعل أبلغ مجلس شورى الحركة بعدم رغبته الترشح لرئاسة الحركة في الدورة التنظيمية الجديدة، ولم تكن سوى معلومة لجس النبض داخل حماس خاصة بعد الانقسامات التي شهدتها، حتى يتم تفويت الفرصة على أي انشقاق أوخلاف فيما لو تم اختيار رئيس آخر للمكتب السياسي لحماس.
وبخلاف الانطباع الذي ساد، فقد عززت نتائج الانتخابات الداخلية التي أجرتها حركة حماس في قطاع غزة حينها من مكانة خالد مشعل داخل الحركة، فعلى الرغم أنه قد تم اختيار رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي للحركة في القطاع، بعد أن حصل على أعلى الأصوات، إلا أن تركيبة المكتب السياسي الجديدة في القطاع مثلت دعما لمشعل، إذ تمكنت كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية للحركة والمعروفة بعلاقاتها الوثيقة بخالد مشعل!! من مضاعفة مكاسبها في الانتخابات الأخيرة لتعزيز موقعها. فما الذي حدث الآن؟ ولماذا عاد الخلاف يدب من جديد داخل القسام حول مشعل؟! وهل لقيادات الداخل يد فيما جرى للقائد الميداني الذي تم إعدامه؟ وهل تم الإعدام بمعرفة مشعل أم تم تجاوزه؟!
المحير في الأمر هذا التمرد الواضح والذى ظهر مؤخرا داخل كتائب القسام وباعتراف بعض عناصرها على خالد مشعل، رغم أن ما يدعم موقف مشعل حقيقة أن مؤيديه في المكتب السياسي ومجلس الشورى العام يمثلون معسكرا متجانسا، في حين أنه لا يقابل هذا المعسكر معسكر له نفس التجانس داخل حماس، ورغم أن كلا من القياديين إسماعيل هنية ومحمود الزهار يتحفظان على السياسات التي يقودها مشعل، فإنه في المقابل هناك خلافات بين هنية والزهار الذي فاز أيضا بمقعد في المكتب السياسي، ما يعنى أن مظاهر المعارضة لمشعل تقلصت! فهل كان «محمود شتيوى» كبش فداء لإخفاء أدلة الانشقاق والخلاف اللذين ضربا عصب الجناح العسكري لحماس بين من لايزال مواليا لمشعل ومن يعارضه ويعترض عليه؟!