السِّحر الكروى

عبد الناصر سلامة الخميس 11-02-2016 21:27

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضى كنا نتحدث كثيراً، وربما نعتقد في السحر الأفريقى للفرق والمنتخبات المصرية، كانوا يذبحون أحيانا بعض العجول على أبواب الاستادات، وكانوا يستخدمون القِرَدَة في أداء بعض الأفعال، وأحيانا كانوا يضعون شيئاً ما داخل المرمى، ونستنجد بحَكَم المباراة لإخراجه، كما كان بعض اللاعبين يقومون بتعليق بعض أنواع الخرز من الحجم الكبير، أو التعصيبات على اليدين أو الجبهة بأشكال غريبة، وقبل هذا وذاك كانوا يحاصرون الفندق أو مكان مبيت الفريق أو المنتخب طوال ليلة المباراة بالطبل والزمر والأهازيج، في أعقاب رحلة السفر بالطائرة، التي كانت تستغرق يومين أو أكثر، حيث ضرورة المرور عبر عاصمة أوروبية، كانت في معظم الأحيان باريس.

المهم أن النتيجة في معظم الأحيان كانت هزيمة الفرق والمنتخبات المصرية، نظراً لكل تلك الفوضى المحيطة بالمباريات، والتى كان أهمها الحُكام دون المستوى أو الضمير، إلا أن صحافتنا في ذلك الوقت كانت تُحيل الأمر إلى السحر والسحرة، وأحياناً الحكام، لا أكثر ولا أقل.

لم يعترف أحد، يوماً ما، بأن فريقنا أو منتخبنا كان دون المستوى، لذا لم نكن نُكمل أو نستمر حتى نهاية هذه البطولات، سوى مع الثمانينيات والتسعينيات وما بعدهما، وذلك بعد أن تطور حال السفر فأصبح أكثر أريحية، وحال الفنادق فأصبحت أكثر إنسانية، وحال الحكام فأصبحوا تحت رقابة أكثر فاعلية مع النقل الحى للمباريات، وبموازاة كل ذلك شهدت المجتمعات هناك تطوراً كبيرا على كل الأصعدة، فتراجعت معها تلك التخاريف.

الآن، وبعد مرور نصف القرن، ومع ذلك التقدم الأفريقى، خاصة في مجال كرة القدم، لدرجة ألا يوجد فريق أوروبى واحد بدون لاعب أفريقى أو أكثر، بل إن الكثيرين منهم حصلوا على الجنسيات الأوروبية مبكراً، فأصبحوا جزءاً أصيلاً من منتخباتها، مع هذا التطور الكبير هناك، تعود الفرق المصرية الآن لما كان عليه الحال الأفريقى قبل نصف قرن تقريباً، فأصبحنا نسمع عن ساحر شُبراخيت لفريق النادى الأهلى، أو دجال شبرا الخيمة لفريق نادى الزمالك، ورأينا عامل غرفة الملابس وهو يقوم برش مياه السحر قبل المباراة، حيث يسير الفريقان، وسمعنا عن المدربين الذين تركوا فرقهم في أحلك لحظات الحاجة إليهم للالتقاء بهذا الساحر أو ذلك الدجال.

نحن أيها السادة لسنا أمام قضية كروية بقدر ما هي أزمة مجتمع على كل المستويات، أصبح الفارق كبيراً بين القاهرة كعاصمة مصرية، وعواصم الدول الأفريقية، بيئياً وحضارياً وهندسياً، لصالح تلك العواصم بالتأكيد، كما هو الفارق في مستويات التعليم أو الصحة أو حتى احترام قواعد المرور، بعد أن كانت القاهرة وجهتهم للتعليم والعلاج والترفيه يوماً ما، بل كانت الفرق المصرية في ذلك التوقيت المشار إليه تحصل على الكثير من التطعيمات والأمصال قبل السفر إلى هناك، نظرا لأمراض وفيروسات مُعدية كثيرة في انتظارهم.

ما يحدث الآن من تخلف وتهريج في صفوف الفرق والمنتخبات المصرية هو تعبير عن حالة ضياع في المجتمع ككل، كان من الطبيعى معها أن تُقام المباريات بدون جمهور، وكان من الطبيعى أن يتراجع معها أيضا حال الروابط الرياضية من التشجيع الرياضى إلى العنف، بل سفك الدماء، وبالتالى كان من الطبيعى أن نتبادل الاتهامات بالشيخ عفركوش، ومولانا حلّق حوش.

إلا أن ما لم نضعه في الاعتبار هو موقفنا في تلك الألفية الثالثة مع العالم الخارجى، ومع الأفارقة تحديداً، الذين نفضوا عن كاهلهم غبار الجهل والفقر والمرض، في الوقت الذي نُصر نحن فيه على العودة إليه بكامل إرادتنا وقوانا العقلية، ما الموقف حينما يجدوننا نتبادل تلك الاتهامات الآن، حينما يجدون أن الفرق المصرية العتيقة تقوم بتغيير لون الفانلة التاريخية لأنديتها بناء على طلب ساحر أو رغبة دجال، أعتقد أن الأمر خرج عن إطار الهزل إلى مرحلة من الجدية والخطورة سوف تعانى منها أجيال أخرى كثيرة.

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو: هل كل ذلك الذي يجرى يأتى في إطار من الغباء وعدم دراسة الموقف من كل جوانبه، أم أنه يأتى في إطار منظومة متكاملة من نشر الجهل والعودة بالمجتمع للعصور الوسطى؟!