حق أطفال الشوارع فى تجديد الخطاب الدينى

عادل نعمان الأربعاء 10-02-2016 21:15

يقرر الأب الزواج من الثالثة بعد أن تخطى الخمسين من عمره، الزوج له كل عشر سنوات زوجة جديدة تجدد شبابه وتشبع رغباته، هذا حقه مثنى وثلاث ورباع، فلا حرج عليه فى تطبيق العدل طالما أن ظلمه لأسرته لا يحاسب عليه فى الدنيا. يجبر آخر زوجاته وأطفالها على مغادرة غرفة الزوجية العامرة لاستقبال الوافدة الجديدة، وينضمون إلى أقرانهم فى الشارع الفسيح الأدفأ من حضن الأب البارد. هذه المرة يقسم ابنه من الزوجة الأولى لئن فعلها ليقتلنه. كل منهما يصر على موقفه، وكلاهما ينجح فيما عقد عليه العزم، فالزوج نجح فى الزواج ليوم واحد، والابن نجح فى قصف عمره فى اليوم التالى. هذا هو حق الأب الشرعى فى الزواج من أخرى، وهكذا يكون ضياع الحق الشرعى للمظلومين من أبنائه. فى دراسة أعدها المركز القومى للبحوث الاجتماعية أن عدد أطفال الشوارع حوالى مليونى طفل، فى وقت يقدر فيه المجلس القومى للأمومة والطفولة العدد بعشرات الآلاف فقط. والفارق بين الاثنين هو الفارق بين مفهوم واسع، ومفهوم ضيق فى تعريف كل منهما. أهم أسباب هذه الكارثة هو الطلاق والخلافات الأسرية، فى مقدمتها تعدد زواج الفقراء وعدم قدرتهم على تربية الأبناء، فهو المصدر الرئيسى لأطفال الشوارع، ومهما حاولنا علاج الظاهرة دون إغلاق المنافذ التى تغذى الشارع يصبح العلاج مستحيلاً. ما هو نصيب أطفال الشوارع من تجديد الخطاب الدينى حتى نغلق منفذا هو الممول الرئيسى لهذه الظاهرة غير الإنسانية؟

فى مسألة تعدد الزوجات الآية (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا. وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) والآية الثانية (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ) الآية الأولى: تشترط العدل بين النساء والأبناء فى حالة الرغبة فى تعدد الزوجات حتى الرابعة. وفى الآية الثانية: استحالة تطبيق العدل بينهم مما ينفى فيه تعدد الزوجات، إلا أن المفسرين صالوا وجالوا فى هذا الأمر حتىـ يحتفظ الرجل بحقه فى تعدد نسائه على الرغم من إطلاق يده فى ملك اليمين، واعتبروا أن تعدد الزوجات مشروط بالعدل المادى فقط وهو العدل فى النفقة والمبيت والجماع فقط، أما العدل فى المشاعر فأمر مستحيل لأن القلوب بيد الله. وهناك تفسير آخر يتفق مع أصحاب فكرة الزوجة الواحدة وأن تعدد الزوجات فى هذه الآية خاص باليتامى فقط. وتفسير الآية على هذا النحو يؤكده أمران، الأول: سبب نزول الآية السابقة، والثانى: حادثة رغبة الإمام على فى الزواج من أخرى ورفض النبى هذا. سبب نزول هذه الآية ما جاء على لسان السيدة عائشة (يا ابْنَ أُخْتِى هِىَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِى حَجْرِ وَلِيِّهَا تُشَارِكُهُ فِى مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِى صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنْ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ)، وموقف الرسول من رغبة الإمام على فى الزواج على ابنته فاطمة حين صعد المنبر قال (إن بنى هشام بن المغيرة، استأذنوا فى أن ينكحوا ابنتهم عليا، فلا إذن لهم ثم لا إذن لهم، إلا أن يريد ابن أبى طالب أن يطلق ابنتى وينكح ابنتهم، فإنما هى بضعة منى يريبنى ما أرابها ويؤذينى ما آذاها). أصحاب هذا الرأى يؤكدون أنه لا يجوز للرجل الزواج من أخرى إلا إذا كانت يتيمة وفى كفالته ويخاف عليها وعلى مالها، شرط أن يعدل فى صداقها (أى مهرها)، ولا يعتبر الرجل أن كفالته لليتيمة مبرر لعدم سداده مهرها كغيرها من النساء، ويستندون لسبب النزول فى حديث السيدة عائشة. وكذلك رفض الرسول لرغبة الإمام على من زواجه بأخرى، وذلك للضرر والأذى الذى يلحق بالسيدة فاطمة. والرأى الآخر يرى أن شرط العدل المادى شرط زواج الرجل بأخرى حتى الرابعة وطالما يقسط لليتيمة جاز له أن يتزوج سواها ويقسط أيضا لغيرها واستندوا إلى ذات الحديث فى آخره (أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن).

خلاصة القول، إن الرأى يتجه حالياً إلى أن الضرر والأذى يلحق بالمرأة وبالأولاد إذا تزوج الرجل بأخرى، كما حدث فى واقعة سيدنا على ورفضها الرسول، ولما كان أمر قصر الزواج من الأخرى على اليتامى فقط هو الأقرب إلى الصواب، ويصعب المطالبة به فى وقتنا الحالى ونتركه مهمة للأجيال القادمة بعدنا، فيرى كثير منا ألا يتزوج رجل من أخرى إلا بأمر من المحكمة التى تقوم مقام ولى الأمر فى تنفيذ شرط العدل المادى للأولاد والأسرة مجتمعة كما جاء فى الآية السابقة، ومتفق عليه بين الرأيين السابقين، ويثبت الرجل قدرته المالية على ذلك، على أن تكون النفقة شهرية واجبة السداد بأمر المحكمة للزوجة المسؤولة عن أولادها، وهنا نكون قد وافقنا الرأيين السابقين وأقمنا العدل كما أمرنا الله.

إن ترك الرجل فى الزواج من أخرى لإمتاع نفسه وقضاء شهوته على حساب أولاده وحاجتهم وضمان أمنهم ومستقبلهم، أمر مجاف للعدل وللرحمة ولحكمة الله فى خلقه، ووجب الآن وقف هذه المهزلة التى تضيف الآلاف من الأطفال إلى الشوارع لحساب متعة فقير وظلم من يعولهم. وهى سلطة ولى الأمر فى ضمان تنفيذ شرط العدل الذى وضعه الله واجبا لتعدد الزوجات، وليس هذا جورا على حق الشرع أو افتئاتا عليه.