أثار مقالى هنا ــ يوم الخميس الماضى ــ عما يخطط لمصر وضربها.. بين إثيوبيا وبنائها العديد من السدود ــ أبرزها حتى الآن سد النهضة ــ وبين المخطط الذى ترعاه أمريكا لفصل النوبة عن جنوب مصر، وفصل منطقة النوبة السودانية «فى شمال السودان» وضمها إلى النوبة المصرية لإنشاء دولة نوبية تجمع بينهما.. أثار هذا المقال ردود فعل متباينة وعديدة، بعضها إيجابى وبالذات من الذين أدركوا ــ بحسهم الوطنى المصرى ــ أن هذا المخطط يستهدف ضرب الوحدة المصرية، التى ترسخت منذ آلاف السنين.. وبين من لم يع المعنى الحقيقى لكشفى لهذا المخطط الاستعمارى، الذى يدغدغ الحواس والحماس بين النوبيين، من الذين أدركوا ــ وفهموا ــ ما قصدته من مقالى الكثير من المثقفين النشطاء، فى مقدمتهم الأديب والقاص النوبى الكبير، ابن قرية الجنينة والشباك الغارقة الآن تحت مياه بحيرة السد، الأديب يحيى مختار، الذى سجل عمليات تهجير أبناء النوبة فى أعماله القصصية العديدة، ولما اقترحت عليه أن ننظم سوياً ندوة للحوار تناقش أبعاد هذه المؤامرة.. رحب كثيراً واتفقنا على ندوة تضم مختلف التيارات النوبية.. لا تكتفى بالحديث عن التعويض العادل لأبناء النوبة عما أصابهم بسبب مشروعات مصر على النيل وتهجيرهم، ولكن عن كيفية إعادة توطين هؤلاء قريباً وحول قرى النوبة القديمة، وإعادة تعمير هذه المنطقة التى هى أرض الذهب.
وأكد لى العزيز والصديق يحيى مختار أن هؤلاء الذين يهرولون وراء السراب الأمريكى هم قلة صغيرة.. تلقفتهم أمريكا وفتحت لهم أبواب الكلام وأيضا «الاسترزاق»، وهم مجرد أقلية يستخدمون القضية لمصالحهم الشخصية، دون أن يدركوا أبعادها الخطيرة، ليس على مصر والمصريين فقط.. ولكن على النوبة والأشقاء من أبناء النوبة.
أما الذين قرأوا المقال ولم يستوعبوا أهدافه القومية فقد رفضوا ما ذكرت، بل هاجمونى.. ومن هؤلاء الدكتور مصطفى محمد عبدالقادر، الذى وصف نفسه بأنه عضو جمعية التراث النوبى.. وعضو لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة، واتهمنى ــ فيما نشره على أحد المواقع ــ أننى لا أعرف شيئاً عن جغرافية النوبة ووطنية النوبيين.. وقال إن حديثى عن خوارج أهل النوبة إهانة لن يغفرها النوبيون لى أبداً.. فليس من بين النوبيين خوارج. وإذا كنت أتمنى أن يكون الأمر كذلك، إلا أن كل أبناء النوبة يعرفون صدق ما كتبته هنا، وربما أرى أننى من أكثر الكتاب المصريين اهتماماً بقضية أبناء النوبة، ومنذ سنوات عديدة.. والحقيقة المؤكدة أن لى أصدقاء عديدين من النوبيين شبابهم وشيوخهم، يعرفون هؤلاء الذين ينفذون المخطط الأمريكى للنوبة.. ولا داعى لذكر أسمائهم.. ولكن الدكتور عبدالقادر يعرفهم بالتأكيد.. ويعرف أننى ما قصدت فيما أكتب إلا صالح الوطن المصرى كله.. وصالح أبناء النوبة، وأراهم من أنقى المصريين سلوكاً ونضجاً ووطنية.. وطيبة. ولكن ــ من هذه القلة ــ من يغذى فكرة الدولة النوبية، ربما لإحياء فكرة الدولة الكوشية التى بدأت فى النوبة ثم حكمت مصر كلها وأسست الأسرة الخامسة والعشرين.
وأعود إلى التأكيد أن هدفى الأول هو حماية وحدة التراب المصرى، وفى نفس الوقت تحقيق استقرار أبناء النوبة فى منطقتهم وإعادة إحياء أسماء المدن والقرى النوبية: قسطل وبلانة وفرس وسارة وادندان وأشكيت والدكا وقشطمنة والعلاقى والمحرقة وشاتورما وكورسكو وإبريم وقصر والجنينة والشباك وغيرها.. مما تكاد تذهب من الذاكرة حتى بين الأجيال الجديدة من النوبيين.
والحمد لله أن الدستور المصرى الحديث قد أعاد للنوبة وإلى أهلها ذاكرتها الوطنية عندما تحدث عن حقوقهم وعن إعادة تعمير بلادهم.. وتعويضهم.. أما أن ينكر البعض ــ ومنهم الدكتور عبدالقادر ــ أنه ليس بينهم من انجرف إلى تيار غير قومى، منساقاً وراء المخطط الانفصالى الموجود بالفعل.. فإن هؤلاء لا يبحثون عن حلول تعيد الحقوق.. وليس فقط بالحديث عن التعويض المالى.. بل إنه بالفعل مع ضرورة توطينهم بالقرب من قراهم الأصلية، خصوصاً بعد أن استقر ــ إلى حد كبير ــ منسوب مياه بحيرة السد، وبما لا يؤدى إلى تلويث مياه هذه البحيرة، التى هى خزان الحياة لكل المصريين.. وبالعلم الحديث يمكننا إعادة التوطين بما لا يلوث.. مع ضرورة إعادة النظر فيما حصلوا عليه من تعويضات أراها كانت مجحفة للغاية، سواء للذين كانوا مقيمين وقت التهجير.. أو حتى الذين لم يكونوا موجودين، وكانوا قد هاجروا للعمل فى الموانئ والمدن المصرية الأخرى.
■ ■ وبدون إسفاف أو استخدام أسلوب التخوين.. ومادمنا فى عصر العدالة الحقيقية، فإن من حق أبناء النوبة أن يحصلوا على حق العودة وحق الحياة.. وحق التعويض، لننسف مخططات فصل النوبة عن مصر.