دانت 21 منظمة حقوقية مخاطبة جامعة القاهرة للأكاديمية خلود صابر، مدرس مساعد بكلية الآداب، لإنهاء منحتها الدراسية للحصول على الدكتوراه بجامعة «لوفان الكاثوليكية» في بلجيكا، والعودة إلى مصر.
واعتبرت المنظمات ومنها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون، في بيان مشترك، الأربعاء، أن «القرار يحمل تبعات خطيرة على الحرية الأكاديمية، من حيث تأثيره سلبًا على حرية البحث العلمي، كما يتضح من خلاله تعمد جامعة القاهرة إهدار مبادئ استقلال الجامعة بالاستجابة لتدخلات وزارة التعليم العالي –وهي جهة تنفيذية– بالمخالفة لنصوص الدستور والقوانين المصرية، وفي تجاوز واضح لكافة المواثيق والإعلانات الدولية ذات الصلة بالحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة، في ظل تزايد انتهاكات الحرية الأكاديمية في الآونة الأخيرة، مثل منع الرسائل العلمية وإحالة القائمين عليها للتحقيق، واشتراط الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس للخارج، والمنع من التدريس، وإلغاء اتفاقيات علمية، لأسباب تتعلق بسياسة السلطة الحاكمة».
وذكر البيان أن خلود صابر تلقت رسالة عبر البريد الإلكتروني من إدارة كلية الآداب بجامعة القاهرة، في 11 ديسمبر 2015، تفيد بإلغاء إجازتها الدراسية للحصول على الدكتوراه، والتي بدأتها منذ الأول من أكتوبر 2015، استجابةً من الجامعة لإفادة الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي، التي خاطبت الجامعة في نوفمبر 2015، لإبلاغها عدم الموافقة على منح خلود إجازة دراسية للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة لوفان الكاثوليكية، ما استند إليه وأقره عميد كلية الآداب –بعد ورود خطاب موجه من إدارة العلاقات الثقافية بجامعة القاهرة بناءً على توصية وزارة التعليم العالي– في 6 ديسمبر 2015، بمخاطبة خلود صابر للعودة، وتسلّم العمل بقسم علم النفس بكلية الآداب في جامعة القاهرة.
واعتبر البيان أن قرار إنهاء إجازة خلود صابر ومخاطبتها للعودة إلى مصر ينتهك الحرية الأكاديمية، التي تعرفها المواثيق الدولية بـ«حرية البحث والتدريس والنشر وفقًا للأطر العلمية دون تدخل أو قيود»، حيث يمنع قرار جامعة القاهرة خلود صابر من الاستمرار في متابعة أبحاث الدكتوراه والدراسة في جامعة لوفان الكاثوليكية، كما يهدر استعدادها البحثي والأكاديمي لهذه المنحة، والتي انخرطت فيها بالفعل منذ أكتوبر 2015. وتضمنت مواد الدستور المصري إشارة إلى المعنى التنفيذي للحرية الأكاديمية، إذ تنص المادة 22 على أن «المعلمين وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، الركيزة الأساسية للتعليم تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية ومهاراتهم المهنية ورعاية حقوقهم المادية والأدبية»، وتنص المادة 23 «تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجع مؤسساته»، وبذلك يكون قرار جامعة القاهرة بحرمان المدرس المساعد خلود صابر من استكمال دراستها وأبحاثها العملية بالخارج، انتهاكًا وتجاوزًا لنصوص الدستور المصري التي تحمي حقوق المدرسين المساعدين وحريتهم في العمل البحثي والأكاديمي، حسب نصه.
وأبحسب البيان فإن قرار جامعة القاهرة يخالف نصوص القانون رقم 49 لسنة 1972 في شأن تنظيم الجامعات، وتضمن حماية الحرية الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة فيما يتعلق بمنح الإجازات الدراسية، حيث تنص المادة 146 من القانون، أنه «يجوز إيفاد المعيدين والمدرسين المساعدين في بعثات إلى الخارج أو على منح أجنبية أو الترخيص لهم في إجازات دراسية بمرتب أو بدون مرتب، ويكون ذلك بقرار من رئيس الجامعة بناءً على اقتراح مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأي مجلس القسم المختص، وموافقة مجلس الدراسات العليا، والبحوث في الجامعة».
وذكر أن «خلود صابر استوفت كل الإجراءات المنصوص عليها في القانون قبل سفرها إلى بلجيكا، حيث وافق قسم علم النفس على منحها إجازة دراسية، وأصدر نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا –باعتباره مفوضًا من رئيس الجامعة– الموافقة النهائية على سفرها، 12 أغسطس 2015، للاستفادة من المنحة المقدمة لها، على أن تمتد الإجازة للعام الأول من أول أكتوبر 2015 حتى 30 سبتمبر 2016، تدفع الجامعة خلالها مرتب المدرس المساعد وتساهم بشراء تذاكر السفر».
وأفاد البيان بأنه لا تتوقف تأثيرات القرار عند حدود انتهاك الحرية الأكاديمية فقط، بل إنه يُعد استجابةً من جامعة القاهرة لتدخلات السلطة التنفيذية –ممثلة في وزارة التعليم العالي وتحديدا «الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات»– وتشير المعلومات المتوفرة حولها إلى ارتباطها بجهات أمنية، حيث ترسل لهذه الجهات استمارات أعضاء هيئة التدريس ممن يستعدون للسفر في مهام علمية، حتى تحدد تلك الجهات، ما إذا كان مسموحًا لهم بالسفر أو تقرر رفض سفرهم للخارج.
وشدد البيان على أهمية احترام المادة 21 من الدستور التي تنص على أن «تكفل الدولة استقلال الجامعات..»، فوزارة التعليم العالي –فضلًا عن غيرها من مؤسسات الدولة الأمنية– لا يجوز لها التدخل في شؤون الجامعات الإدارية أو المالية أو العلمية، مؤكدا أهمية التزام الحكومة بتوصية مؤتمر اليونسكو بشأن أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي (1997)، وتُلزم الدول الأعضاء في المنظمة بحماية مؤسسات التعليم العالي من التهديدات التي قد يتعرض لها استقلالها أيًا كان مصدرها، وفقًا للفقرة 19. وتنص الوثيقة كذلك في الفقرة 13 على «تمكين أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي من المشاركة طوال حياتهم المهنية في الاجتماعات الدولية المتعلقة بالتعليم العالي أو البحوث، ومن السفر للخارج دون أي قيود سياسية».
وأشار البيان إلى أنه لا يتضمن القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات نصًا يُلزم أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بالحصول قبل سفرهم على موافقة ما يُعرف «بالإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات»، وهي إدارة غير معلن مهامها وطبيعة اختصاصاتها. وطالما أنها مجرد إدارة داخلية تابعة لوزارة التعليم العالي، فلا اختصاص لتلك الإدارة بشؤون أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، ولا تملك قرارًا أو توصيةً في شأن منح الإجازات الدراسية.
وأوضح البيان: «خطورة ما يتضمنه الموقع الإلكتروني لجامعة دمنهور بشأن هذه الإدارة، إذ يتولى أحد موظفي الجامعة منصب مدير إدارة أمن الأفراد، ويقع من ضمن مهام عمله إبداء الرأي في الأفراد المرشحين للسفر للخارج وفقًا للتعليمات والقواعد المتعلقة بذلك بعد استطلاع الرأي الأمني عن طريق الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي، ويتضح من ذلك أن الأجهزة الأمنية تتخذ من إدارة الاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي ستارًا لمتابعة ومراقبة أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة، وتقييد حقهم في السفر للخارج لأداء المهام العلمية. وهو المعنى ذاته الذي أكد عليه رئيس جامعة القاهرة جابر نصار، في مداخلة هاتفية لبرنامج «مانشيت» بقناة أون تي في، 3 فبراير 2016، حيث قال إن الجامعة والأمن يتبادلان المعلومات، وأن سفر المدرسين المساعدين يحسمه قرارات وزارة التعليم العالي، وقبول المنح الأجنبية للبحث والدراسة أمر يتعلق بسيادة الدولة وتقديرها، وإذا كانت هناك إشكالية تتعلق بالأمن القومي فهذا من شأن الأجهزة».
وذكر البيان أن خلود صابر أقامت دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية برقم 3163 لسنة 63 قضائية، في 4 فبراير 2016، اختصمت فيها وزير التعليم العالي ورئيس جامعة القاهرة وعميد كلية الآداب ومدير الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي ومدير الإدارة العامة للعلاقات الثقافية بجامعة القاهرة، طعنًا على قرار إلغاء الإجازة الدراسية للمُدعية، وللمطالبة بوقف القرار، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استكمال المُدعية لإجازتها، ومنحتها الدراسية.
وطالب البيان جامعة القاهرة بإلغاء قرار إعادة المدرس المساعد خلود صابر من المنحة الدراسية فورًا، ووقف كافة أشكال التدخلات الأمنية في شؤون أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والحفاظ على الالتزامات المتعلقة بصون استقلال الجامعة والحريات الأكاديمية، باعتبارها السبيل الوحيد للنهوض بالتعليم العالي في مصر.