أتذكر هذه الجملة التى أطلقها الرئيس الأسبق حسنى مبارك قبل تنحيه: «حُكم مصر ليس سهلاً»، كلما تواترت أنباء التدهور الحاد للجنيه فى مواجهة العملات الأجنبية، كلما تواترت أنباء القروض التى حصلت عليها مصر خلال الأعوام السابقة، والتى تسعى للحصول عليها الآن، كلما تواترت أنباء الارتفاع الجنونى للأسعار، كلما تواترت أنباء رفع الدعم عن السلع الأساسية، كلما تواترت أنباء تراجع الاحتياطى النقدى، كلما تواترت أنباء زيادة الجمارك على عدد كبير من السلع، كلما تواترت أنباء التدهور الأمنى غير المسبوق،
كلما تواترت أنباء عدد المعتقلين والمسجونين، كلما تواترت أنباء الجفاف المنتظر نتيجة إنشاء السد الإثيوبى وغيره من السدود بالسودان وغيرها، كلما تواترت أنباء رفع أسعار مياه الشرب، كلما تواترت أنباء هؤلاء الفلاحين الذين لم يحصلوا على ثمن محصول القطن حتى الآن، رغم مرور شهرين على توريده للدولة، كلما تواترت أنباء ذلك التردى الحاصل فى المرافق والخدمات نتيجة تراجع عمليات الإحلال والتجديد والصيانة، كلما تواترت أنباء إرسال قوات مصرية إلى اليمن أو الخليج العربى أو سوريا، كلما تواترت أنباء الشهداء المصريين من أبناء الجيش والشرطة والمواطنين بصفة عامة، كلما تواترت أنباء غضب الأولتراس و«وايت نايتس» وغيرهما من الروابط الرياضية، كلما تواترت أنباء ذلك الأداء البرلمانى الهابط، كلما تواترت أنباء ذلك الأداء الحكومى الهزيل، كلما تواترت أنباء تلك المشروعات الفاشلة، كلما تواترت أنباء غير مبشرة من المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المحاكم الأوروبية، كلما تواترت أنباء تردى العلاقات مع العالم الخارجى، كلما تواترت أنباء خروج الموقف فى ليبيا عن السيطرة،
وفى السودان عن علاقات الأشقاء، وفى غزة عن علاقات التنسيق والتوجيه، كلما تواترت أنباء عن ذلك التجاوز الشرطى فى كل مكان، كلما تواترت أنباء عن اختفاء قسرى للشباب، كلما تواترت أنباء عن اختطاف فتيات وأطفال، كلما تواترت أنباء عن قتلى بالأقسام وتعذيب بالسجون، كلما تواترت أنباء عن عدم الاعتماد على مستشارين أكفاء أو على مستوى المرحلة، كلما تواترت أنباء ذلك الأداء الإعلامى الهابط والخارج عن كل القيم والمواثيق، كلما تواترت أنباء عن حالة التوجس التى تنتاب المستثمر المصرى، والتى غَلَّت يديه نحو العمل بجدية، كلما تواترت أنباء الفساد الذى أصبح ينخر فى كل مفاصل الدولة، كلما تواترت أنباء عن اقتحام أعداد كبيرة من المتقاعدين إياهم مجالات الاستثمار والمقاولات، فى منافسة غير شريفة مع الشركات ورجال الأعمال الحقيقيين أضرت بالبلاد والعباد،
كلما تواترت أنباء عن اقتحامهم عالم السياسة دون أى خبرات سابقة، كلما تواترت أنباء عن استحواذ جهة ما بعينها على كل أراضى الدولة، كلما تواترت أنباء عن هيمنة فصيل بعينه على التعيينات فى صفوف المحافظين، كلما تواترت أنباء عن ارتفاع عدد حالات الانتحار سنوياً إلى أرقام غير مسبوقة، كلما تواترت أنباء ذلك التردى الأخلاقى الحاصل بالمجتمع ككل، كلما تواترت أنباء تلك الهجمة المنظمة والممنهجة على الدين، وعلى المقدسات الإسلامية، كلما تواترت أنباء ظاهرة ذلك الإلحاد المستشرى بين الشباب، كلما تواترت أنباء إغلاق آلاف المصانع، وهجرة الكثير من رؤوس الأموال، بل تهريبها، كلما تواترت أنباء ذلك الصراع الحاصل بين الأجهزة المختلفة، بل داخل الجهاز الواحد، كلما تواترت أنباء عن عمليات إقصاء وإزاحة وتقاعد مبكّر، إما لخلافات فى الرأى وإما لتصفية حسابات، كلما تواترت أنباء ذلك الانقسام الحاصل فى المجتمع، أو ذلك الاستقطاب الحاد بين كل فئاته، كلما تواترت أنباء عن ارتفاع نسبة الفقر فى المجتمع،
وارتفاع أعداد المُشرَّدين، والبحث عن بقايا غذاء بين فضلات القمامة، كلما تواترت أنباء عن مخطط حكومى لتسريح سبعة ملايين موظف وعامل، كلما تواترت أنباء عن استيراد قمح فاسد، أو استشراء ظاهرة ذبح الحمير، أو نفوق الأسماك فى النيل نتيجة تلوث المياه، كلما تواترت أنباء ظاهرة تعاطى المخدرات بين الشباب، أو ظاهرة العمل بالدعارة بين النساء، أو ظاهرة الهجرة بين الرجال، كلما تواترت تصنيفات المنظمات العالمية التى تضعنا فى ذيل الأمم، تعليمياً وصحياً وبيئياً وحقوقياً، كلما تواترت دراسات البنك الدولى، والصناديق الدولية، والشفافية الدولية، التى تحذر جميعها من مصر، كدولة عالية المخاطر، ومن مستقبل مظلم للأمة المصرية، فى ظل الأوضاع الراهنة.
بالفعل «حكم مصر ليس سهلاً»..