شادية... هدية السماء للمعذبين فى الأرض!!

طارق الشناوي الإثنين 08-02-2016 21:08

قلة نادرة من البشر تشعر أن الله أرسلهم لنا ليصبحوا البلسم الشافى لجراحنا، والصديق الذى يشاركنا الأفراح والحبيب الذى تهفو إليه القلوب العطشانة، وهكذا شادية بالنسبة لى وللملايين من العشاق، منذ أن أطلت علينا فى نهاية الأربعينيات عبر الشاشة الفضية.

التقيت بها مرة أو اثنتين فقط فى منزل الموسيقار الكبير الراحل محمود الشريف، كانت تطلق عليه إجلالا وتقديرا «خوفو» الموسيقى، بينما هى كانت بالنسبة له الابنة والفنانة الأقرب إلى أنغامه ومشاعره، بعد أم كلثوم لم ير الشريف فى أصوات النساء سوى ليلى مراد وشادية، كانت شادية تشترط أن اللقاء ليس للصحافة والتزمت ولم أنشر شيئا، أتذكر أنها كانت فى تلك السنوات مطلع الثمانينيات تحفظ لحن «غربتنى الدنيا عنك» وسجلته بالفعل بصوتها على عود الشريف، إلا أنها فى اللحظات الأخيرة تراجعت وغنته ياسمين الخيام. ملحوظة أهديت الإذاعة المصرية فى برنامج «تسجيلات الهواة» تقديم مشيرة كامل تسجيل للبروفة كان قد أهداه لى محمود الشريف.

اختارت شادية الاعتزال عام 86 ولكنها لم تغب عن الوجدان، كان صوت شادية «يا حبيبتى يا مصر» هو الضوء الذى سرى فى وجدان الثوار مع بداية ثورة اللوتس وعاد صوتها مجدداً بعد قرابة عامين فى نفس التوقيت ليضمد الجراح فى بورسعيد الباسلة التى كانت أول من أعلن الثورة ضد مرسى «أمانة عليك أمانة يا مسافر بورسعيد لتبوس لى كل إيد» وفى ثورة 30 يونيو رددنا مجددا «يا حبيبتى يا مصر».

فى العام الماضى حصلت شادية على الدكتوراة الفخرية من أكاديمية الفنون وقبلها فى 13 مارس 2014 منحها المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية المؤقت، تكريم خاص فى عيد الفن، ولكنها لم تأت فى المرتين، وأغلب الظن أنها لن تتواجد فى أى حفل عام ولن تلتقط لها الكاميرات أى صورة، هذا الأمر ليس مرتبطاً بقرار الاعتزال، شادية بطبعها عزوفه عن أجهزة الإعلام ولن تجد فى أرشيفها المقروء والمسموع والمرئى إلا القليل جداً.

وهكذا ابتعدت بلا ضجة ولم تتبرأ من أى أغنية أو فيلم أو مشهد أو لقطة، برغم أن كارهى الفن وأعداء الحياة كثيرا ما حاولوا إقناعها بإعلان التوبة والندم، لكنها قالت أعتز بكل ما قدمته للناس.

جمعت بين كل الأطياف والألوان الغنائية والدرامية فسكنت القلوب، من ينسى نبرتها السعيدة «يا دبلة الخطوبة» أو الشجية «ليالى العمر معدودة» أو الشقية «إن راح منك يا عين» أو الحماسية «يا أم الصابرين» أو الناسكة «قُل أدعو الله إن يمسسك ضُرُ»، دائماً هى حاضرة لنعيش معها الحب بكل أطيافه لله والوطن والبشر.

صار صوتها يذكرك مباشرة بمصر فى كل مراحلها وأحوالها تفرح مع الوطن بعد عودة سيناء فتصبح «مصر اليوم فى عيد» وقبلها كانت تتوعد بالانتقام بعد مذبحة الإسرائيليين فى بحر البقر التى راح ضحيتها أطفال المدرسة «الدرس انتهى لموا الكراريس».

شاركت العديد من كبار المطربين أفلامهم «محمد فوزى» و«فريد الأطرش» و«عبدالحليم حافظ» و«كمال حسنى»، هى المطربة الوحيدة التى قدمت ثلاثة أفلام مع «عبد الحليم» بل عندما شاركته أول أفلامه «لحن الوفاء» كانت هى الأكثر نجومية لأنها سبقته فنياً ورغم ذلك تحمست للفيلم وغنت معه أكثر من دويتو أشهرها «لحن الوفاء» تلحين «رياض السنباطى» ووافقت على أن يسبقها فى «تترات» الفيلم لأنها شعرت أن عليها دفعه للمقدمة، وفى آخر لقاء لها مع «عبدالحليم حافظ» فى فيلم «معبودة الجماهير» تأليف «مصطفى أمين» والغريب أن البعض أوعز لعبدالحليم معاتباً كيف يقبل أن يقدم فيلماً عنوانه «معبودة الجماهير» فى حين أنه «معبود الجماهير»، وكان اللقاء الأخير بينهما ولكن ظلت شادية تحتفظ بمساحة فى قلبها لعبدالحليم حافظ.

لم تتنازل عن القمة الصحيح أن تقول إن القمة هى التى تمسكت بها ورفضت أن تتخلى عنها، وكانت دائماً تقول إن الفنان ينبغى أن يختار موعد الاعتزال قبل أن تودعه الأضواء يودع هو الأضواء.

طموح الممثلة لم يعرف حدوداً فهى تملك بنفس القدر موهبة الأداء الغنائى والدرامى.. كل المطربين والمطربات الذين سبقوها كانوا حريصين على أن تتخلل أفلامهم أغنيات والسينما استعانت بهم لأنهم قادرون على الجذب الجماهيرى، إلا أنها فى العديد من الأفلام استطاعت أن تحطم هذا القيد وهكذا شاهدناها فى «اللص والكلاب» للمخرج «كمال الشيخ» تمثل فقط ولم تتردد فى اقتحام تلك الخطوة بدون تخوف من إغضاب الجمهور الذى عندما يقرأ اسم شادية على الأفيش يتوقع على الفور أن يستمع إلى أكثر من أغنية.

مع كمال الشناوى قدمت 33 فيلماً مثل «المرأة المجهولة»، «وداع فى الفجر»، «الروح والجسد» أهم تجربة «المرأة المجهولة» عندما أدت دورا أم لشكرى سرحان.. وقال لى الفنان الراحل «كمال الشناوى» أنه ظل حتى سنواته الأخيرة يتلقى خطابات من معجبين يسألونه عن «شادية» باعتبارها زوجته لأنهم صدقوا ما تقدمه الشاشة، والغريب أن «كمال» كان قد تزوج فى الواقع من شقيقة «شادية» السيدة «عفاف شاكر».

أتذكر عام 1996 أن مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قرر تكريم «شادية» ووافقت بعد أن اتصل بها الراحل «سعدالدين وهبة»، رئيس المهرجان، وكان «وهبة» قد شارك فى كتابة العديد من السيناريوهات التى لعبت بطولتها مثل «زقاق المدق» و«مراتى مدير عام».. أبدت «شادية» موافقة مبدئية ولكنها فى اللحظات الأخيرة تراجعت، وتردد وقتها أن الشيخ «محمد متولى الشعراوى»، الذى كان قريباً منها هو الذى أقنعها بعدم الذهاب، وأخذت درع التكريم نيابة عنها «مديحة يسرى».. ولم تعقب «شادية» أو تبرر أو تفسر حتى الآن سر اعتذارها المفاجئ وآثرت الصمت.

وبقدر ما كانت شادية قريبة من أم كلثوم بقدر ما كان بينها وعبدالوهاب قدر من البرودة الفنية وألحان قليلة جدا ستجد مع المجموعة مثلا أوبريت «وطنى حبيبى» ثم «أحبك وأضحى لحبك يا أعز الحبايب» و«البسبوسة»، وتفسيرى أن عبدالوهاب كان يرقب نجاحها فى البدايات مع ألحان فوزى والشريف ومنير مراد ولم يجد أنه من الممكن أن يضيف شيئا، ثم بعد ذلك جاءت مرحلة ذهبية مع نغمات بليغ حمدى، وبذكاء عبدالوهاب تشكك فى أنه سيقدم ما هو أجمل فقرر الابتعاد.

لو فتحت الراديو ستجد صوت شادية يداعبك ويهدهدك، ولو أمسكت بالريموت كونترول فى أى لحظة ستجد أيضا شادية فى فيلم، وستشعر دائما أن الله منحنا هدية السماء لنستنشق عبير الحياة ونسيم الروح، بالأمس أضأنا لها الشموع فى عيد ميلادها.. يا حبيبتى يا مصر، يا حبيبتى يا شادية!!

«خارج النص»

* هل ألغت الدولة عرض مسرحية «غيبوبة» فى السويس بسبب غضب الأهالى من موقف أحمد بدير الشخصى ضد ثورة 25 يناير وتأييده لحسنى مبارك، بدير لم يكن أبدا صاحب موقف سياسى طوال تاريخه فهو مع السلطة دائما ولكن هذا لا ينفى أبدا تمتعه بموهبة أصيلة كممثل، لو طبقنا معايير أهالى السويس على 90% من الفنانين فلن يعرض أى عمل فنى على أرضها!!

■ أرى البعض ينتظر أن تضخ الدولة أموالا فى قطاع الإنتاج بالتليفزيون لكى يبددوها فى أعمال متواضعة، نعم أنا مع عودة «ماسبيرو» للإنتاج الدرامى ولكن فى نفس الوقت أتخوف من نوايا الكثيرين كلما تذكرت المسلسل الأخير الذى أنتجته الدولة «دنيا جديدة» وعرض فى رمضان الماضى وقالوا وقتها حتى لا ينتقدهم أحد إنهم ينفذون تعليمات الرئيس لتقديم دراما تتناول وسطية الإسلام فكان هو الدليل الملموس على تبديد المال العام!!

■ مسلسل التوريث سقط سياسيا قبل خمس سنوات وسقط أيضا فنيا، أغلب نجوم الشباك الذين دفعوا بأبنائهم إلى البطولة لم يحقق أى منهم النجومية التى تعنى القدرة على الجذب الجماهيرى، الوحيد فى السنوات الخمس الأخيرة الذى ينطبق عليه توصيف نجم الشباك هو محمد رمضان وليس لديه فى شجرة العائلة أحد له حتى أى ميول فنية.

■ كلما ضاقت مساحات الحرية بين المثقفين والفنانين وبحثوا عن طوق النجاة، جاءت الإجابة لدينا خالد يوسف فى مجلس الشعب سيتقدم بمشروع قانون لإسقاط القيود، متجاهلين أن القرارات بالأغلبية، تكوين المجلس يتجه إلى رفع شعار «اضرب المربوط يخاف السايب»، والفنان المصرى كما نعلم جميعا مربوط «وهاتك يا ضرب»!!

tarekelshinnawi@yahoo.com