فى عام 1911 كان الفرعون الأخير محمود مختار يدرس فى باريس، وتصادف وجود طائفة من أبناء مصر العظماء فى العاصمة الفرنسية يصنعون لمصر أمجادها، فكان طه حسين يهز أروقة «السوربون» برسالته عن «ابن خلدون»، والشيخ مصطفى عبدالرازق يعد رسالته عن الإمام الشافعى ويحاضر فى جامعة ليون فى الفلسفة الإسلامية، وهناك كتب محمد حسين هيكل روايته «زينب»، التى نشرها فى مصر على حلقات بتوقيع «فلاح»، وكان هناك أيضًا محمد صبرى الذى عرف باسم صبرى السوربونى.
«مختار» - سليل النحاتين الفراعنة الذى نحت تماثيل طارق بن زياد وخالد بن الوليد وتمثال عايدة - اختاره الفرنسيون مديرًا لمتحف «جريفان» .
وكانت تماثيله عامرة بالحس الوطنى والسياسى والاجتماعى، وصاغ فيها فكرته «تمثال نهضة مصر» ووصفه أستاذه «لابلان» بقوله إنه سيكون فخرًا لمصر والعالم.
وكانت فكرة التمثال تعبيرًا عن اليقظة التى بدأت فى مصر فالفلاحة المصرية الممشوقة تقف راسخة واضعة يدها على أبى الهول الرابض إلى جوارها متوثبًا للنهوض.
وانتقلت أخبار تمثال النهضة إلى القاهرة، فوضع أمين الرافعى، رئيس تحرير جريدة الأخبار، الجريدة تحت تصرف الدعاة لتمثال نهضة مصر، فكتب محيى الدين حفنى ناصف وحافظ عفيفى وواصف غالى وويصا واصف وأمين الرافعى نداء إلى الأمة للاكتتاب لإقامة التمثال فى مصر وقدموا مختار للأمة، حتى اعتبره الناس بطلاً قوميًا،
وأقيم احتفال فى القاهرة وآخر فى الإسكندرية وبدأت حركة الاكتتاب ووصلت الفكرة إلى الأقاليم وتنافس أفراد الشعب للتبرع، وانهمرت مقالات الكتاب وقصائد الشعراء وتشكلت لجنة التمثال برئاسة رئيس الوزراء عدلى يكن باشا الذى كان رئيسًا للوزراء فى أكثر من وزارة، وكان فى عضوية اللجنة واصف غالى وويصا واصف وحافظ عفيفى وأمين الرافعى ومحمد محمود خليل وعبدالخالق مدكور وفؤاد سلطان وعبدالقوى أحمد.
ووقعت أزمة بسبب التمثال، فعلى الرغم من اهتمام عدلى يكن باشا آنذاك فإن وزارة الأشغال رأت أن التمثال يقع فى صلب اختصاصها وطلبت من محمود مختار شهادة حسن سير، وسلوك وأرسل مختار لعدلى يكن الذى قام بزيارته فى موقع التمثال، وكان الأهالى قد جمعوا 6500 جنيه، وتبرعت السكة الحديد بنقل الأحجار من أسوان إلى القاهرة، وخصصت وزارة عبدالخالق ثروت الأولى مبلغ 3 آلاف جنيه،
وتوقف المشروع إلى أن جاءت وزارة سعد زغلول الشعبية فوقف ويصا واصف فى البرلمان يدافع عن التمثال ويدعو الحكومة لتخصيص الاعتماد اللازم لاستكماله، وأعلن سعد زغلول أن حكومة النهضة يجب أن تتكفل بتمثال النهضة ووضع المهندس عثمان محرم - بتكليف من سعد زغلول - تفاصيل المشروع وتشكلت لجنة باسم لجنة الفنون الجميلة.
واستقال سعد وتعثر المشروع وجاء عدلى يكن على رأس وزارته الثانية، وكرر ويصا واصف وقفته من أجل التمثال وقرر البرلمان التحقيق فى أسباب توقف العمل فيه واعتمد المبلغ اللازم لإتمام المشروع، وتم التعاقد على إنجاز المشروع فى 13 شهرًا، وانتهى مختار من التمثال ووضع أمام محطة رمسيس وأزاح عنه الملك فؤاد الستار فى 20 مايو 1928.
وحينما خرجت الجماهير تشيع جثمان مختار بعد 6 سنوات تحديدًا فى 27 مارس عام 1934 سار النعش من المستشفى، وعلى مقربة من تمثال نهضة مصر توقف المشيعون برهة أمام التمثال، وتكونت جماعة أصدقاء مختار من هدى شعراوى والشيخ مصطفى عبدالرازق الذى شارك فى حملة الاكتتاب للتمثال، وكذلك كان فى الجنازة على الشمسى وحافظ عفيفى وعلى ماهر وبهى الدين بركات وعثمان محرم وطه حسين وخليل مطران وأحمد راسم.