عندي سؤال لوزير الآثار: كيف تتصور نهاية هذا البلد؟ أي ما هي العلامة التي سيبعث الله بها كي تدرك أن هذه هي نقطة النهاية لهذه الأمة التي توطنت وادي النيل قبل آلاف السنين؟
إجابة هذا السؤال عندي هي: عندما تختفي أهرامات الجيزة، فأنا – وملايين المصريين معي – لديهم قناعة بأن أهرامات الجيزة هي الحجر الأخير الذي يجب أن يصمد إلى لحظة النهاية، وأنه إذا سقط فهذه هي الخاتمة التي ليس من بعدها شيء.
وإذا ساورت معالي الوزير شكوك لا تجعله يتفق معي، ومع من يتفقون معي، في هذه النظرة، فسيكون عندها لدي سؤال يتعلق بمصرية الوزير ذاتها ومدى انتمائه عقليا ووجدانيا لهذه الأمة التي تعتبر أهرامها رمزها الحضاري الذي شهد صامدا أنواء الدهر وصروفه من غزو وقهر وكوارث طبيعية ومجاعات فاحتملها ولم يحتمل عصر ممدوح الدماطي!
ففي هذا العصر السعيد تعرضت آثار مصر الكبرى والأكثر أهمية في تاريخها لنكبات لم تعرفها، وفضائح لم تشهدها، وكوارث لم تحدث لها حتى في أحلك العصور وأسوأها.
تكفيك يا معالي الوزير فضيحة لصق لحية قناع توت عنخ آمون، وهي أثمن قطعة آثار في العالم وهي تحت ولايتك، بمادة الإيبوكسي، وما استتبعها من استنكار عالمي عنوانه "أي شعب هذا الذي يفعل هذا بتلك؟!".
تكفيك يا معالي الوزير فضيحة سوء ترميم هرم زوسر المدرج، أقدم هرم مدرج في العالم، وأحد أقدم البنايات الحجرية في تاريخ البشرية، إلى درجة أوشكت أن تخرجه من قائمة التراث الإنساني العالمي أو فعلت بالفعل.
ولا يتسع المقال لمجرد المرور مرور الكرام على الجرائم التي ارتكبت في حق الآثار المصرية وأنت وزير للآثار، وأنت المسؤول المباشر عنها وهي في عهدتك وتحت ولايتك مسؤولية خرساء لشعب أخرس هان عليه كل ما يملك حتى حياته، ولم تعد عبارة "كله إلا هذا" تنطبق على أي شيء.
عندما وقف نابليون بونابارت أمام جنوده وأشار إلى أهرامات الجيزة قال: "إن أربعين قرنا من الزمان تنظر إليكم".. وهانحن ننظر إلى القرون الأربعين تباع في هذه الأيام العكرة لعابري السبيل، ولا تجد إدارتك ما تفعله إلا أن تحرر محضرا للصحفيين اللذين كشفا الحقيقة، فمثلك مثل الرجل الذي اكتشف خيانة زوجته له فهاج وماج وقرر بيع السرير.
ولو كان الكلام يجدي لقلت لك إن أهرامات الجيزة أكبر من مجرد أثر، وإنها رمز وطني فريد لا يعلو عليه أي رمز وطني في العالم كله، وإنه العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة، وإنه تذكار العظمة المصرية لكل العصور وإن هدمه يهدم البقية الباقية من هذه العظمة التي تترنح تحت ثقل الاضطراب السياسي والتخبط الاقتصادي والنزاعات الفارغة.
لو كان الكلام يجدي لقلت لك إن من يحمل مسؤولية الرمز الوطني كمن يحمل العلم، يموت ولا تسقط من يده الراية، ويرضى أن يموت واقفا ولا يقع فيقال إنه تخلى عن علامة عزة أمته وشارة رفعتها بين الأمم.
لو كان الكلام يجدي لقلت لك إن الأمة المصرية تخلخلت من أعمق نقطة فيها، وإن شعبها مهدد، وإن إقليمها مهدد، وإن نيلها مهدد، وإن هذا الجبل الحجري الذي بناه أجدادهم هو المسمار الأخير الذي يربط هذه الأرض في مكانها، ويربط هذا الشعب في هذا المكان.
شاهد فيديو بيع حجارة الهرم للسائحين يا معالي الوزير، وانظر في ملفك العامر بالفضائح والكوارث ثم أغلقه وارحل، فمثلك يجب أن يرحل قبل أن تنضم إلى قائمة مخازيه خزية جديدة.
وإن لم تكن قد فهمت مما كتبت بالفصحى تلميحا وتصريحا، فإليك مقصدي بالعامية المبسطة: اتكل على الله يا برنس علشان ده آخر الخط.