شركة أمن

نيوتن الأحد 07-02-2016 21:16

صديقة ابنتى. شابة نبيهة. بصفتها العضو المنتدب تدير مصنعاً لإنتاج المواد الغذائية. يعمل بالمصنع آلاف العمال ومئات الموظفين. المصنع به ورش للصيانة. سيارات للنقل. مخازن. مبردات. وكل التعقيدات التى يحتاجها هذا النوع من الإنتاج.

فوق كل مكتب جهاز كمبيوتر أو لاب توب وتليفون محمول. هذا هو العادى فى المصانع المشابهة. فضلًا عن وجود طابعات ليزر تكفى هذا العدد الكبير من الموظفين.

هذه التركيبة نموذج مصغر لدولة. بكل تفاعلاتها. وعلاقاتها وتشعّباتها.

رأت صديقة ابنتى أن مصنعها أو دولتها الصغيرة فى حاجة للأمن. أعلنت مناقصة وضعت شروطاً محددة. تعكس احتياجاتها الأمنية. فازت إحدى الشركات. تسلّمت المصنع. كانت الفتاة سعيدة بذلك. لكن ما لبثت أن تحولت سعادتها وسرورها إلى لغز ثم إلى حزن واستياء.

كل موظف يدير ظهره عن مكتبه يختفى شىء من عليه. موبايل. لاب توب. سماعة هيدفون. أى شىء. احتارت إدارة المصنع. قامت بتزويد المصنع بالكاميرات. وأجهزة المراقبة. لم تختفِ الظاهرة. السرقة مستمرة. وقائمة الأشياء المفقودة فى زيادة يومية.

ضاقت الشابة ذرعاً بما يجرى فى مصنعها. قررت التخلص من شركة الأمن واستبدالها بأخرى. عقب الخطوة الأولى. وبعد أن فسخت التعاقد حدث ما لم تتوقعه. لم تعد الأشياء تختفى. عاد الأمن عندما غابت شركة الأمن. فى تلك اللحظة أصيبت بالدهشة. لأن ليس معنى ذلك أنها تستطيع أن تستغنى عن الأمن بالكلية.

بالنسبة لى بدا الأمر على قدر كبير من التعقيد. ظللت أطرح بينى وبين نفسى العديد من التساؤلات: من هؤلاء الذين توظفهم شركات الأمن؟ كيف يتم تدريبهم؟ كيف يتم تكوين عناصرهم؟ كيف يكونون محترفين فى عملهم؟

الأمن ضرورة. قصة هذا المصنع وكأنها مرآة للدولة بشكل عام. معاناة أصحاب المصنع مع شركة الأمن تشبه إلى حدّ كبير مشكلتنا كمواطنين مع فكرة وفلسفة الأمن والأمان. فى جنوب أفريقيا استعانت الحكومة بالاتحاد الأوروبى لتطوير منظومة الأمن عندها. تركيا فعلت الأمر نفسه فى عام 2004. قامت بتطوير أقسام البوليس. أماكن الحجز. التشريعات المنظمة للأمن. اهتمت بفرد الأمن نفسه. غيّرت من المناهج من طرق التعليم. حققت طفرة فعلية فى هذا المجال. ليس عيباً أن نفعل مثل ذلك. العيب ألا نحاول اكتشاف ومعرفة وتطبيق ما فعلته الدول المتقدمة.