أصدرت محكمة الجنايات الدولية ظهر أمس مذكرة دولية باعتقال الرئيس السودانى عمر البشير بناء على طلب المدعى العام للمحكمة لويس مورينو أوكامبو، فى خطوة تنذر بتدهور الأوضاع الأمنية فى أنحاء السودان وتهدد بانهيار اتفاق السلام مع جنوب البلاد وتثير موجة جديدة من العنف فى إقليم دارفور. وأكد قرار المحكمة أن البشير متورط بطريقة غير مباشرة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى إقليم دارفور.
من جانبها، وصفت الحكومة السودانية قرار الاعتقال بأنه جزء من خطة استعمارية جديدة، فيما وصفه متمردو الإقليم بأنه «يوم عظيم للشعب السودانى ولدارفور»، بينما اندلعت مظاهرات حاشدة تنديدا بالقرار، وأكدت القوات الدولية وبعثات الأمم المتحدة فى الإقليم أنها مستمرة فى مهامها، إلا أن الأمم المتحدة منحت العاملين الدوليين فى الخرطوم إجازة يومًا استعدادًا للتطورات التى تلت صدور قرار الاعتقال.
ونص قرار المحكمة، التى تتخذ من لاهاى فى هولندا مقرا لها، على أن الرئيس السودانى «متهم جنائيا» بصورة غير رسمية فى الجرائم التى وقعت فى دارفور، وأشارت المحكمة إلى حملات غير مشروعة وقعت فى الإقليم، موضحة أن البشير كان يهيمن ويسيطر على كل الأجهزة الحكومية التى شاركت فى تلك الحملات،
وأكدت أن هناك 7 اتهامات تعرض البشير للمحاكمة الدولية، من بينها تهمتان بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين، واتهمته بتصفية مدنيين والتهجير القسرى والتعذيب والاغتصاب، إلا أن المحكمة أعلنت أن جريمة القتل الجماعى ليست مدرجة ضمن الاتهامات، وقالت إن الأعضاء دعوا إلى تحديد الإجراءات التى سيتم اتخاذها بحق البشير،
ودعت الدول الأعضاء فيها وغير الأعضاء إلى التعاون والتجاوب لتنفيذ القرار، مشددة على أنه إن لم يتعاون السودان بشأن قرار الاعتقال فسيتم إحالة الملف إلى مجلس الأمن
من جانبه، قال أوكامبو إن «المحكمة لديها قضية قوية ضد البشير وإننا مستعدون لأسوأ الاحتمالات»، موضحا أنه مستعد للمضى قدما فى دعوى استئناف بطلب اعتقال الرئيس السودانى إذا دعت الضرورة، وأكد أنه فى حالة رفض البشير المثول للتحقيق أمام المحكمة الجنائية فيجب القبض عليه.
وخيمت أجواء التوتر أمس على مختلف أنحاء السودان، وبخاصة فى إقليم دارفور غربى البلاد، بالتزامن مع قرار المحكمة، حيث حذر الجيش السودانى من أنه سيتعامل بحزم مع من يتعامل مع المحكمة الجنائية.
وقال العميد ركن عثمان الأغبش، المتحدث باسم الجيش، إن القوات المسلحة ستتعامل بكل حزم مع كل من يتعامل مع ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية ويتخذ منها منبرا للابتزاز السياسى وزعزعة الأمن والاستقرار فى البلاد، نافيا اتهامات المحكمة بتورط أفراد من المؤسسة العسكرية فى ارتكاب جرائم حرب فى دارفور.
كما شهد السودان مسيرات غاضبة حول سفارات الدول الغربية، وبخاصة فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا التى رفضت فى السابق تأجيل قرار الاعتقال، شارك فيها مئات الآلاف، تنديداً بمذكرة التوقيف بحق البشير.
وبينما أكدت بعثة الأمم المتحدة فى دارفور «اليوناميد» أنها تمارس عملها فى ولايات الإقليم الثلاث بعد تردد أنباء عن منح المنظمة الدولية موظفيها فى الخرطوم إجازة ليوم واحد كإجراء احترازى فى حال حدوث فوضى جراء قرار المحكمة الجنائية، أبلغت الخرطوم موظفيها الحكوميين بأن بإمكانهم ترك العمل بعد ظهر أمس. وفى الوقت نفسه، أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» أنها تلقت أوامر من الحكومة السودانية بإجلاء موظفيها الأجانب من دارفور.
وقال المتحدث باسم الحكومة السودانية كمال عبيد: «بالطبع ستكون هناك ردود فعل شعبية على قرار المحكمة الجنائية لكن الحكومة ستحمى السفارات والبعثات الدبلوماسية والمدنيين الأجانب»، وأكد شهود عيان تمركز شاحنتين عسكريتين بالقرب من السفارة الفرنسية، وعلى الصعيد ذاته، قال وزير الدولة بوزارة الإعلام والاتصالات السودانى، كمال عبيد، إن الغضب الشعبى سيكون بالرفض المسنود بالمواقف الوطنية والإقليمية،
مشيراً إلى أن المسيرة التى ستخرج عقب الإعلان ستعبر عن الغضب الجماهيرى. وشدد الوزير على أن الوضع الأمنى سيكون مستتباً وأنه لا توجد حاجة لإجراء ترتيبات أمنية غير عادية من نشر لدبابات أو الاحتياط لحراسة أطراف المدن إلا إذا دعت الضرورة، محذراً من محاولات استخدام البعثات الدبلوماسية الحصانة للإضرار بمصالح السودان.
من جانبه، قال مسؤول فى قوة حفظ السلام المشتركة: «إن رجالنا المنتشرين على الأرض يشعرون بأجواء التوتر» وأضاف «يمكننا ملاحظة نشر عدد كبير من قوات الأمن فى دارفور»، بينما أكد مسؤولو القوات الدولية والأفريقية المشتركة أن الجيش السودانى سيقوم «باستعراض قوة» فى مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور،
وجاء ذلك بعد أن حذرت السلطات السودانية من أنها ستعاقب أى إعلان يؤيد المحكمة الجنائية الدولية، بينما قال خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة فى دارفور إن حركته ستتحرك إذا تعرضت القوات الحكومية بالأذى للمدنيين، بينما أكد متحدث عسكرى باسم فصيل الوحدة فى حركة تحرير السودان المتمردة استعداد قواته للتصدى لأى تحرك عسكرى تقوم به القوات الحكومية السودانية.
على صعيد متصل، قال براين كيلى، الناطق باسم بعثة الأمم المتحدة فى السودان «يونميس»، إن البعثة تقوم بمهامها كالمعتاد فى ضوء التفويض الممنوح لها، وانها تضع نصب أعينها ردود الفعل التى قد يولدها القرار على واقع الأرض، وأن لديها خطط طوارئ للتعامل مع جميع الاحتمالات التى قد تقتضيها الظروف الأمنية.
وفى جنوب السودان سادت أجواء هادئة مشوبة بالحذر مع احتمال عدم تنظيم مظاهرات تنديدا بالقرار حيث يولى السكان اهتماما أكبر باتفاق السلام الشامل الذى وضع فى نهاية 2005 نهاية لأطول حرب أهلية فى القارة الأفريقية استمرت 21 عاما بين شمال السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، وبخاصة بعد أحداث ملكال واتهام الجنوبيين للقوات الحكومية بالمسؤولية عن نشوب الحرب والقتال مع الجيش الجنوبى.
وأفريقيا، كشف مبعوث الاتحاد الأفريقى، على عبد السلام التريكى، أن هناك 38 دولة أفريقية موقعة على «ميثاق روما» مهددا بان تلك الدول ستنسحب من عضوية المحكمة الجنائية فى حال إصدارها قرار بتوقيف الرئيس السودانى،
بينما عبر الرئيس الإريترى أسياسى أفورقى عن رفض بلاده القرار مؤكدا أن تحركات المحكمة لا تستهدف الرئيس السودانى والسودان فقط، بل دول المنطقة بأكملها، فيما قال القس الجنوب أفريقى ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام إنه يجب على القادة الأفارقة مساندة محاولة اعتقال البشير، واصفا رفضهم لقرار اعتقاله بأنه «مخجل».
وفى نيويورك، أكد السفير الليبى إبراهيم دباشى الذى تتولى بلاده الرئاسة الدورية للمجلس، معارضة بلاده توقيف البشير وقال إن المجلس لا ينوى عقد اجتماع لبحث قرار المحكمة.