كان مقال «جريمة فى معرض الكتاب اليوم: ترجمة شعر المعرى من العربية إلى العامية» عدد 27 يناير الماضى، عن ترجمة «رسالة الغفران» من العربية إلى العامية المصرية من حيث المبدأ، وذلك فى الكتاب الذى صدر أول أيام معرض القاهرة الدولى للكتاب.
وقد اشتريت الكتاب فى المعرض، وعلى غلافه الأول «رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى ترجمة ناريمان الشاملى»، وعلى الغلاف الأخير من مقدمة المترجمة تقول إنها اشترت كتاب المعرى من 13 سنة، أى عام 2003، وكانت فى العشرين من عمرها، فلم تفهم شيئاً مما قرأت، وبعد عشر سنوات عاودت القراءة، فلم تفهم شيئاً أيضاً، فقررت ترجمته إلى العامية حتى تفهم!! ومعنى هذا أنها ترجمت كتاباً لم تفهمه، فكيف للمترجم أن يترجم كتاباً لا يفهمه!!
وفى تعريف المترجمة أنها حصلت على ليسانس آداب إسبانى، وتحمل درجة الماجستير فى تعليم اللغة العربية للأجانب من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأنها ترجمت أكثر من رواية إسبانية إلى اللغة العربية، وتعمل الآن أستاذاً للغة العربية بجامعة طوكيو للدراسات الأجنبية فى اليابان، فهل المقصود بالعربية هنا اللغة التى نعرفها، أم العامية المصرية، وهل ترجمت الروايات الإسبانية إلى العربية أم العامية، وهل تترجم الأدب الإسبانى إلى العربية، والأدب العربى إلى العامية؟!
وقالت «أستاذة اللغة العربية فى جامعة طوكيو» فى مقدمة كتابها إنها ترجمت رسالة المعرى حتى يمكن لفتى فى الثالثة عشرة أو فتاة فى الرابعة عشرة أو أصغر قراءة أمهات الكتب العربية وفهمها، وكأن من الطبيعى قراءة هذه الكتب فى هذه السن!!
وقد ذكرت فى مقالى عدد 27 يناير «وربما يصل الانحطاط إلى ترجمة (القرآن) من العربية إلى العامية أيضاً»، وذكرت المترجمة فى مقدمة الكتاب أنها لم تترجم الآيات القرآنية، لأن هناك كتباً فى التفسير يمكن الرجوع إليها لمن يريد، ولكنها ترجمت الأحاديث النبوية الشريفة «دون أى إسفاف أو إخلال بالمعنى»، على حد تعبيرها، وأنها لم تترجم كتاب المعرى حرفياً، بل أضافت إليه، ولكنها لن تقول للقارئ ماذا أضافت حتى لا تقطع عليه «حبل أفكاره»!!
اللغة الحية تتغير وتتطور مع الزمن، ولا أحد يدعى معرفة أى لغة فى كل عصورها، وكذلك اللغة العربية، ولذلك فهناك تفسير للكلمات فى طبعات كل عصر، ولكن ليس بالترجمة إلى العامية، ومن المعروف أن طه حسين كتب أكثر من كتاب عن المعرى، وأنه قال لمن تظاهروا ضد فكره الحر ووصفوه بالأعمى «أحمد الله أننى أعمى حتى لا أرى وجوهكم»، وهو اليوم فى العالم الآخر يقول «أحمد الله أننى ميت حتى لا أعيش عصركم».