تباً للناصحين!

عبد الناصر سلامة السبت 06-02-2016 21:15

بالتأكيد هم ناصحون غير مخلصين، أولئك الذين أشاروا على الرئيس بإلقاء خطابه الأول أمام مجلس النواب، فى مكان آخر، غير مقر المجلس، هم ناصحون غير مخلصين أساساً، حينما أشاروا عليه بتأخير خطابه حتى الآن.. المتعارف عليه دستورياً منذ بدء الحياة البرلمانية فى مصر، سواء منذ عام ١٨٨٦ مع مجلس شورى النواب، أو مع بدء أول برلمان دستورى عام ١٩٢٤، هو أن يلقى الخديو، أو الملك، أو بعد ذلك رئيس الجمهورية، خطابه، فى أعقاب الجلسة الأولى مباشرة، وهى المعروفة بالجلسة الإجرائية، التى يتم خلالها انتخاب الرئيس ونائبيه، أو على الأكثر عقب جلستين.

بعد ذلك كانت بداية الدورة البرلمانية كل عام، فى أعقاب الإجازة الصيفية، أو العطلة البرلمانية مباشرةً، كانت بداية الدورة محددة بالدستور، فى الخميس الأخير من شهر نوفمبر من كل عام، وأيضاً كان هناك خطاب للرئيس فى بداية كل دورة برلمانية، لم يتم التأخير ذات مرّة، أياً كانت الأحداث الجسام التى كانت تمر بها مصر، سواء فى ظروف الاحتلال، أو ظروف الحرب، أو تحت أى ظرف كان.

ظلت هذه الأوضاع معمولاً بها، انطلاقاً من دستور ١٩٢٣، ثم استمدها منه دستور ١٩٧١، دون زيادة أو نقصان، إلى أن جاء برلمان ٢٠١٥ منذ ما يزيد على شهر، دون خطاب افتتاح للرئيس، ودون أسباب مقنعة، ثم تتواتر الأنباء بأن الرئيس سوف يلقى خطابه خارج مقر البرلمان، لدواعٍ أمنية، أو أى دواعٍ أخرى، ثم تتواتر أنباء هزلية أخرى بأنه سوف يتم استبعاد نصف النواب من جلسة الخطاب، فى حال انعقادها بمقر البرلمان، نظراً لضيق المكان، حيث حضور عدد كبير من الضيوف، وكأن حضور الضيوف أهم من حضور النواب، أصحاب المناسبة!

ما أود التأكيد عليه هو أن هذا الطرح، إن حدث، فإنه يمثل سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ليس ذلك فقط، بل إنه يُعد بمثابة انتقاص واضح وخطير من شرعية البرلمان، ويبعث برسالة مفادها: أن سلطة رئيس الدولة أقوى من السلطة الشعبية، التى هى السلطة الأم، وذلك فى الوقت الذى كان يجب على مؤسسة الرئاسة أن تدافع عن الشرعية، بل تصنعها، حرصاً على الشكل الديمقراطى الشعبى، المنتقص أصلاً، أمام الداخل والخارج معاً.

السؤال هو: إذا كانت العملية أمنية بالدرجة الأولى، كما يتردد، فالرئيس كان بالأمس القريب برفقة الرئيس الصينى، فى قصر عابدين القريب من مقر البرلمان، وإذا كان الخوف من أعضاء البرلمان هو السبب، فإن كل الدلائل تؤكد أنه تم انتخابهم أمنياً، قبل أن ينتخبهم الشعب، فقد تم اختيارهم بدقة، حتى على المستوى الصحى، بعد أن تم الكشف عليهم طبياً، نحن بالفعل أمام مجلس مريح، وجميل، ولذيذ، ولا خوف منه على الإطلاق.

هل الخوف إذن من الشارع، إذا كان الأمر كذلك، فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: إلى متى؟، ولماذا لا يتم التصالح مع الشارع، أما إذا كان ذلك بناء على نصائح الشيخ فلان، أو العرّاف علان، فهى كارثة.. بالفعل لا أجد لذلك مبرراً، إلا وجود ناصحين غير مخلصين، أو غير رشداء، لا يُقدِّرون للمواقف قدرها، ولا للتاريخ منزلته، فطعنوا البرلمان فى أغلى ما يملك، وهو أن يكون برلمان الشعب، وليس برلمان الرئيس.

لندع كل هذه الجوانب الدستورية، والقانونية، والشعبية، وكذلك الأعراف والتقاليد، جانباً، ونبحث فى تلك الرسالة التى يريد الناصحون بثها للداخل والخارج معاً، والتى مؤداها أننا بلد غير آمن، أننا وطن غير مستقر، فلتذهب السياحة إلى الجحيم، ولتذهب الاستثمارات إلى الجحيم، وليذهب الاقتصاد إلى الجحيم، لأن السؤال الذى سوف يطرح نفسه هو: إذا كان الرئيس فى خطر، فمن هو الآمن إذن، وإذا كان الرئيس يخشى من شعبه، فمن ذا الذى يأمن على نفسه من هذا الشعب، وإذا كان البرلمان لا يستطيع أن يملأ فراغاً دستورياً حاصلاً بالفعل، فمن ذا الذى يمكن أن يفعل ذلك.

الملاحظة الأخيرة أيها السادة، هى أن الأسرة الخديوية، كانت تعيش فى أمن وأمان، بالتالى كانت حريصة على الشكل الديمقراطى، أمام الداخل والخارج، لم يتخلف الملك يوماً ما عن إلقاء خطابه، وكذلك الحال بالنسبة لأُسر الجمهورية العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، بالتأكيد كان هناك ناصحون مخلصون لهذه وتلك، ما الذى حدث لأُسر ما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، بالتأكيد هناك شىء ما خطأ، لابد من إعادة النظر، ليس فى الأمن فقط، وإنما فى كل شىء تقريباً، وتباً للناصحين.