بسبب قذارته!

سليمان جودة السبت 06-02-2016 21:16

أشعر بالعار حين أجدنى مدفوعاً إلى الكتابة عن النظافة العامة، باعتبارها مشكلة مُؤرِّقة فى حياتنا، إذ لا يكاد المسافر منا يعود من خارج البلاد، ولا يكاد يرى حمامات المطار، مثلاً، حتى يصبح على يقين بأنه انتقل من مستوى فى النظافة العامة، أياً كان البلد العائد منه، إلى مستوى نظافة عامة آخر تماماً!

آخر الأخبار فى هذا الموضوع المُخجل أن محافظة القاهرة قررت إجراء ما يُشبه المسابقة بين أحيائها، فى عدة أشياء، منها نظافة شوارع وميادين الحى، بوجه عام.

وقال الخبر إن الحى الفائز سوف يحصل على مائة ألف جنيه مكافأة على نظافته!

وما يفترضه أى عاقل أن النظافة العامة مسألة بديهية، وأنها ليست فى حاجة إلى مسابقة لتتحقق، وأن الطبيعى أن نعاقب الذين يفرطون فيها، لا أن نكافئ الذين يهتمون بها.

وكنت قد قرأت أن مدينة سان نيكولا، فى شمال المكسيك، قد لجأت إلى حل رأته مناسباً لمعاقبة أى مواطن من بين مواطنيها يقذف بنفاياته على الرصيف، وكان رئيس المدينة قد قرر تعليق صورة أى مواطن، من هذه النوعية، فى ميدان عام بها، فقام بتعليق عدة صور فعلاً لعدد من المواطنين، وكتب تحت كل صورة أن صاحبها قد تم توقيفه، أى حبسه، ثم توقيع غرامة عليه بسبب قذارته!.. ثم كان رئيس المدينة قد قال أيضاً إنه لم يجد وسيلة أخرى أفضل من ذلك لفضح الذين لا يجدون فى إلقاء النفايات بعرض الشارع أى حرج، وإن أقل ما يجب ردع مثل هؤلاء المواطنين به أن يجدوا صورهم فى الشارع، مثل صور المجرمين فى لوحات أقسام البوليس!

وكنت قد سمعت من الدكتور جلال سعيد، فى أول أيام مجيئه إلى العاصمة، وكان وقتها مشغولاً بمحو القذارات التى كان أعضاء فى الجماعة الإخوانية يكتبونها على الحوائط، أن أبناء القاهرة سوف يجدون قاهرة أخرى على يديه، خلال المدى الزمنى المنظور، وأظن أن هذا المدى المنظور قد انقضى، ولايزال كل أمل عندنا أن نرى القاهرة مدينة نظيفة.. مدينة نظيفة يا عالم.. فهذا كل ما نحلم به حالياً، أو على الأقل فإن أحلامنا قد اختزلناها لتصل إلى مجرد الرغبة فى أن تكون عاصمة بلادنا نظيفة، وألا يهرب منها السائح العربى على سبيل المثال، إذا جاءها، إلى الرباط أو إلى دبى أو إلى أى مدينة عربية، تكون أهدأ وأنظف، ولن يتحقق هذا إلا إذا عوقب رئيس الحى القذر.. الحى لا رئيسه طبعاً.. وللدكتور جلال أن يتصور عاقبة وضع صورة رئيس الحى من هذا النوع، على الطريقة المكسيكية، فى ميدان التحرير، فبعدها سوف نرى قاهرة أخرى.. بل سوف نرى بلداً آخر!