«الكشف العلمى كالكشف الصوفى»، هذا ما كان يقوله دائما نبيل على الذي أنعيه اليوم، أما مبتكر صفة «عملاء للوطن» فهو د. أحمد شوقى- أستاذ الوراثة البارز بجامعة الزقازيق – وقد أطلق هذا الوصف كمداعبة للمجموعة التي تشكلت منه ومعه الدكاترة: نبيل على وأحمد مستجير وسمير حنا صادق- رحمهم الله- ومصطفى فهمى إبراهيم وآخرين ممن قدموا ترجمات علمية رائعة في المجالات المختلفة خلال العقدين الماضيين، وأعطوا بسخاء خلال تواجدهم بلجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة أو عبر منتدى المكتبة الأكاديمية وغير ذلك.
نبيل على الذي غادرنا منذ أيام يمثل العقلية الفذة والوجه الباسم والراضى دائما، والتكوين البسيط والجدية الشديدة والاستقامة والتدين العميق ... الثائر علميا واجتماعيا. المحافظ فكريا! هو مواطن مصرى وعربى وعالمى من طراز فريد. لن أقول أبدا إنه رحل بلا وداع يليق ولن انشغل بذم ما نحن فيه من عبث ألهانا عنه، إذ في تلك اللحظة أدعو أهل السبتية قبل غيرهم إلى الاحتفاء به فهو من قلائل في مصر ممن أدركوا قيمة الأسطوات الذين يعملون في تلك المنطقة. السبتية التي قامت عليها نهضة مصر الصناعية في عهد محمد على جار عليها الزمان كغيرها لكنها وحتى هذه اللحظة تنبض.. نبيل على عمل طويلا مع ورشها ومخارطها بعد هزيمة 67 وقت أن كان ضابط مهندس بالقوات الجوية، من أجل صنع قطع غيار لطائرات الميج والسوخوى وسبك معدات لتطوير قدراتها. نبيل على عالم الحاسوبيات والبرمجيات وهندسة اللغة العربية والأدب والذكاء الاصطناعى، الأول، بالمنطقة، كان همه الأول تحقيق الاستقلال الاقتصادى لمصر، وقد اتخذ من مهارته الفائقة في مجال المعلوماتية مفتاحا لتحقيق هذا الأمل، كما كان من قلائل في هذا الزمن الأغبر الذين لايزالون يفكرون في كل أمر من منظور عربى، مدركا وبلا أي أيديولوجيا، أنه لا حياة ولا تقدم لمصر من غير النهوض بالمحيط العربى كله، وبالتوازى أدرك بطريقته الخاصة خطر الاحتلال الصهيونى أيضا على الهوية العربية، ودفعه الخوف الشديد من أن يسرق الإسرائيليون تراثنا العربى والإسلامى ويطوعونه إلكترونيا لأغراضهم إلى إيلاء عناية فائقة لقضية المحتوى العربى على الإنترنيت. ولأن الانحياز الوطنى والعربى لا ينفصل عن الانحياز الاجتماعى فقد فاتحنى الدكتور نبيل على يوما- وهو من هو- في أمر تأليف كتاب مشترك عن الإدارة في مصر.. كان ما اثار شجونه ليس فحسب التدهور الإدارى ولكن أنه سمع أن رئيسا لشركة النصر للإلكترونيات قال إن العمال «بهايم» فأراد فضح هذا النوع من البيروقراطية التسلطية والعدمية (نفس الشخص كان رئيسا لشركة أجنبية مشتركة منافسة كانت وراء تسريع دمار النصر للإلكترونيات). كان د.على يرى أن الإدارة مسؤولة قبل العامل وقبل أي شىء عن تدهور القطاع العام والمؤسسات العامة، ولانشغاله قمت أنا بالمهمة على طريقتى واخرجت كتاب (عصر الماركتنج أو زمن الدكتور عاطف عبيد). وقد نوه الدكتور محمود عبدالفضيل في «الشروق» بمشاركة الدكتور نبيل في ثورة يناير، وأضيف أن الحظ جعلنا متجاورين في يوم الجمعة السابق لرحيل مبارك – وكان معه السيدة حرمه -، ورأيت كيف كان يتحامل على نفسه ليشارك رغم الحالة الصحية الصعبة. حصل د .نبيل على الدكتوراه في هندسة الطيران في عام الحسم الذي لم يحسم ( 1971 ) ورحل بعد 45 عاما وفى عام يفترض أن يحسم مستقبل مصر ( 2016 )، فنرجو أن يحسمه باتجاه ما حلم به نبيل على: دولة قوية وقائدة لعالمها العربى مستقلة اقتصاديا منفتحة علميا وحضاريا وعادلة اجتماعيا...