الخطر القادم

عبد الناصر سلامة الجمعة 05-02-2016 21:21

وكأن معاناة الهجرة واللجوء وحدها ليست كافية، وكأن الرحيل عن الوطن فى حد ذاته ليس كافياً، وكأن الأزمات النفسية التى خلَّفتها نيران الحرب وأصوات المدافع ليست كافية، لم يشفع لهم أنهم أطفال، ولم يشفع للأمهات والآباء أنهم فقدوا أوطانهم وبعض ذويهم، ولم يشفع لأوطانهم ما حل بها من خراب ودمار، بفعل أسلحة الغرب ومخططاته.

وكالة الشرطة الأوروبية تتحدث عن عشرة آلاف طفل هاجروا دون رفقة أهلهم، اختفوا خلال العامين الماضيين فى أوروبا، الوكالة عبرت عن اعتقادها بأن عصابات تتاجر بالأطفال لأغراض الجنس والجريمة اختطفت عدداً منهم، الأوبزرفر البريطانية نقلت، عن مدير موظفى الوكالة، قوله: «إن هذا عدد الأطفال الذين اختفوا بعد تسجيلهم لدى سلطات الدول التى وصلوا إليها فى أوروبا»، أى أن هناك آخرين لم يتم تسجيلهم. وكالة فرانس برس ذكرت أن هناك أكثر من مليون مهاجر ولاجئ إلى أوروبا العام الماضى، معظمهم من سوريا، الشرطة الأوروبية قالت إن 27%‏ منهم أطفال.

لنا أن نتخيل إلى أى مدى مازالت الأخلاقيات الوضيعة تتحكم فى اقتصاديات العالم المتحضر، إلى أى مدى تتغلغل عصابات الجنس والجريمة فى هذه المجتمعات، ولنا أن نتخيل إلى أى مدى ممكن أن يكون مصير أبنائنا فى سوريا والعراق، أو حتى اليمن وليبيا، وكل مناطق النزاع العربية التى تشهد هجرات يومية، ولنا أن نتخيل إلى أى مدى وصل السقوط العربى، أو سقوط الحكام العرب، الذين يشاهدون هذا المصير المظلم لشعوبهم، دون أن يُحرّك ذلك ساكناً من ضمير.

حتى الحكام غير العرب، من مدَّعِى الحضارة والمدنية والتقدم، لم نسمع أنهم انتفضوا فى مواجهة هذه الظاهرة، مادام الضحايا من دول العالم الثالث أو العالم المتخلف، المنظمات الحقوقية لديهم لم تتحرك هى الأخرى، المنظمات الدولية التزمت الصمت، مادامت العواصم صاحبة الشأن تعيش فى غيبوبة، حتى جامعة الدول العربية، التى من المفترض أن يعنيها الأمر أكثر من الأمم المتحدة، المنظمة الدولية الأولى فى العالم، لم تهتم بالأمر، على الرغم من أن هناك فى الجامعة العربية إدارة خاصة بالطفولة، حتى برلمانات الدول العربية لم تهتم بالأمر، حتى على مستوى وسائل الإعلام، التى انشغلت بكل ما هو تافه ورخيص.

باختصار، يبدو أن العار العربى أصبح جزءاً من حياة يومية، أطفال يختفون فى الداخل، وبصفة يومية، نطلق عليهم تعبير «مفقودين»، واحداً تلو الآخر، وعشرات تلو العشرات، الأنباء أيضاً تشير إلى استغلالهم فى الجنس والجريمة، وأحياناً سرقة أعضائهم البشرية، أنباء أخرى تتحدث عن تهريبهم إلى خارج البلاد، أو إلى خارج المنطقة ككل، لم نسمع عن تشكيل لجان تقصى حقائق فى هذا الشأن، لم نسمع عن اهتمام من نوع خاص، لم نسمع عن قلق على المستوى الرسمى، بالتالى كان من الطبيعى أن يكون الطفل العربى مشاعاً لغير العرب.

الشعوب العربية هى الأخرى أصبحت تحمل من الهموم ما جعلها لا تأبه لمصير أشقائهم فى الأقطار الأخرى، لم يعد المواطن العربى يهتم لأمر أخيه العربى، ولا للتراب العربى المحتل هنا أو هناك، بل ولا للدم العربى الذى يسيل ليل نهار، لقد نجحت المخططات الخارجية فى ذلك، بل لقد نجح الإعلام العربى فى ذلك، هى رغبة الحكام، الذين ظن كل منهم أنه بمنأى عن الخطر، مادامت النيران فى قطر آخر، لم يعد هناك الوطن العربى الكبير، أصبحت هناك شراذم أوطان، دويلات لا حول لها ولا قوة.

حينما نتحدث عن الأطفال العرب أيها السادة، فنحن نتحدث عن نقطة البدء، نتحدث عن المستقبل، إذا كان الطفل العربى هو المستهدف، فإن المستقبل هو المستهدف بالدرجة الأولى، تربية متخلفة فى الداخل، واختطاف واستغلال فى الخارج، على أى مستقبل يمكن أن نُعوّل إذن، وعلى أى أجيال يمكن أن نعتمد، من الطبيعى أن تتحول الأحزاب السياسية، شيئاً فشيئاً، إلى تنظيمات نفعية، ومن الطبيعى أن تتحول البرلمانات إلى أولتراس من نوع خاص، ومن الطبيعى أن تكون الحكومات ماسخة، بلا هوية، وبالتالى من الطبيعى أن تتحول حياتنا إلى فنكوش كبير، فى ظل مستقبل قاتم، بلا ملامح.