يعتبر مروان كنفانى، المستشار السياسى للرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، واحدا من أبرز الشخصيات الفلسطينية، نظرا لقربه من دائرة صنع القرار خلال فترة صعبة ومهمة من تاريخ الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، نظرا لنجاحه فى كسب ثقة الرئيس عرفات.
خلال حوار خاص مع «المصرى اليوم» أشار كنفانى إلى دور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى إقناع الرئيس عرفات بضرورة انضمام حركة فتح لمنظمة التحرير الفلسطينية لتأسيس كيان فلسطينى سياسى قوى. وقال إن القضية الفلسطينية تأثرت سلبا بسبب ما يسمى «الربيع العربى».
وأكد أن أهم العلامات السياسية البارزة فى تأريخ النضال الفلسطينى الطويل هى إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، واتفاق أوسلو عام 1994، ووصف تنظيم داعش بأنه صناعة محلية بمشاركة خارجية.
وطالب بإبعاد الدين عن التقاتل الداخلى والخلافات السياسية، واتهم إسرائيل بقتل عرفات بالحصار وحرمانه من العلاج ووسائل أخرى لم يتسن تأكيدها. ووجه النصيحة للأطراف الفلسطينية المتصارعة على الحكم بالتخلى عن السلطة بسبب انتهاء شرعيتهم الدستورية، وتردى الأحوال الفلسطينية الداخلية والخارجية، وتسليم السلطة لأعلى سلطة قضائية فلسطينية لإنشاء حكومة مؤقتة تعنى بإجراء انتخابات نزيهة، ورئاسية وبرلمانية، لتسليم السلطة، وتتابع تحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطينى. وإلى نص الحوار:
■ عاصرت حقبة مهمة فى تأريخ الصراع الفلسطينى الإسرائيلى باعتبارك مستشارا سياسيا للرئيس الراحل ياسر عرفات.. متى بدأت علاقتك بالسياسة؟
- لا أعرف تحديدا متى بدأت علاقتى بالسياسة، لأننى وجدت نفسى غارقا بها فى سن صغيرة، وأذكر مشاركتى فى المظاهرات خلال فترة دراستى بالمرحلة الابتدائية، فى العاصمة السورية دمشق، نظرا لإقامة الأسرة هناك، وبحكم انتمائى لعائلة ضليعة فى السياسة. وقد تبلور عندى هذا الاتجاه بشكل واضح، حيث شاركت فى المظاهرات التى عمت شوارع دمشق ضد العدوان، وبدأت علاقتى بالسياسة تأخذ طابعا مختلفا بعد التحاقى بجامعة دمشق، حيث انضممت الى اتحاد طلاب فلسطين، المؤسسة الوحيدة التى ارتبطت باسم فلسطين، خلال تلك الفترة وكان هدفها بدء مرحلة جديدة من النضال ضد الكيان الصهيونى، الذى حاول محو اسم فلسطين من على الخريطة، وتعرفت على الشهداء ياسر عرفات، وأبوجهاد، وهايل عبدالحميد، وآخرين من رفقاء النضال، وبعد التحاقى بجامعة القاهرة لدراسة الحقوق، استكملت مشوارى السياسى، والتحقت بفرع اتحاد طلاب فلسطين بجامعة القاهرة، وواصلت المشوار حتى سافرت إلى أمريكا.
■ متى التحقت بجامعة الدول العربية؟
- بعد تخرجى فى كلية حقوق جامعة القاهرة عام 1964، التحقت موظفا فى إدارة فلسطين، قسم الأراضى الفلسطينية التى استولت عليها إسرائيل بجامعة الدول العربية، وشاركت فى الاجتماعات والمؤتمرات، وبمرور السنوات اكتسبت خبرات سياسية.
■ رافقت الراحل ياسر عرفات سنوات طويلة، وكنت مقربا منه وقرر اختيارك مستشارا سياسيا له.. حدثنا عن تلك الفترة؟
- علاقتى بالرئيس أبوعمار طويلة، وعملت معه خلال فترة إقامته فى بيروت، وبعد نقل مكتبه إلى تونس ما بين 82- 94، وعاصرته خلال تلك الحقبة المهمة فى تاريخ الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وكانت علاقتنا قوية، حيث توليت بعد عدة سنوات مهمة المتحدث الرسمى باسمه.
■ حدثنا عن الوجه الآخر للرئيس الراحل عرفات بحكم قربك منه؟
- أبوعمار كان رجلا مميزا، يمتلك صفات جميلة، وكان يجمع بين المتناقضات؛ فكان طويل الصبر.. لا يؤمن بالدم ضد الفلسطينيين، وشديد العناد، ويؤمن بدوره، وكانت لديه قدرة على الاستماع للآخرين، وملكة مذهلة لمعرفة ما هو المهم والأهم، كان حنونا على شعبه، وكان يساعد الناس، وكانت تصله مئات الرسائل يوميا من نساء يعانين أوضاعا صعبة، وآباء يريدون إرسال أبنائهم للتعليم، وغيرها من المطالب الشخصية، وكان يسهر الليل يقرأ تلك الرسائل للرد عليها. وتجربتى معه جعلتنى إنسانا آخر، وتعلمت الكثير منه، وكنا نختلف فى الآراء، أحيانا ولكننى لم أتجاوز حقيقة، أنه صاحب القرار.
■ كان للرئيس عرفات رأى مخالف لباقى الدول العربية، بشأن الحرب ضد العراق.. كيف تعامل عرفات مع الملف العراقى؟
- فى موضوع العراق، اعترض الرئيس على أى عمل عسكرى ضد العراق، ووافقته فى الرأى، وكان فى نفس الوقت ضد احتلال الكويت، لكن الموقف الفلسطينى فى هذا الصدد كان يحتاج التوضيح.
■ ما أكثر المواقف التى أثرت على عرفات خلال توليه السلطة؟
- فى الحقيقة كانت لحظة توديع الشهداء من أصعب المواقف التى أثرت على أبوعمار؛ خصوصا عندما كنا نذهب للمشاركة فى العزاء ولحظة دفنهم، لأنه كان يعتبر نفسه جزءا من المأساة التى يعيشها الفلسطينيون. وأعتقد أن أكثر ما تأثر به شخص ومنصب الرئيس عرفات كان القرار الإسرائيلى الأمريكى بعدم اعتباره ذى حيثية سياسية وتجاهله فى كل الجهود التى بذلت بعد عام 2003.
■ وما الموقف الذى أبكى عرفات؟
- أذكر تألمه الكبيرعندما استشهد قائد الحرس حسن سلامة، لأنه كان يعتبره مثل ابنه، وبكى بعد علمه باغتياله، وكان أبوعمار فى دمشق، بينما نفذت العملية فى بيروت.
■ هل كان أبوعمار يخشى الموت أو تعرضه للاغتيال؟
- عاصرت أبوعمار فى مرحلة أليمة، وكان الموت قريبا منا، وكان يقول لى عندما نتنقل من مكان إلى آخر: «انطق الشهادة يا مروان، وكان رجلا شديد التدين، معتدلا فى نفس الوقت، وكان يؤمن بالقضاء والقدر، لذلك كان يملك قدرا كبيرا من الشجاعة وجميع من عملوا معه يعرفون هذه الحقيقة، وكان الرئيس عرفات رجلا شجاعا بكل ما تعنى هذه الكلمة، وقد تأثر كثيرا من الحصار والتجاهل خلال سنواته الأخيرة. وعندما كان يشارك فى أى اجتماع ويأتى وقت الصلاة كان ينسحب فى هدوء، ودون أى مظاهر ليؤدى الصلاة، وكان يقرأ القرآن كثيرا، وكان مهموما بالقضية الفلسطينية وكثير العمل.
■ بمناسبة الكلام عن الحصار.. حدثنا عن تلك الفترة وكيف تعامل معها؟
- بالتأكيد كانت فترة صعبة جدا على أبوعمار، لأن إسرائيل أجبرته على البقاء فى رام الله وحرمته من الخروج وأعلنت أنها لن تسمح له بالعودة مرة أخرى، حال مغادرته رام الله، ما جعله حزينا جدا، وفى عام 82 عقدت القمة العربية فى بيروت، وحاول المشاركة فيها، وأجرى اتصالات بكل الأطراف والزعماء العرب لمساعدته فى المشاركة؛ منهم الولايات المتحدة، وفشلت محاولاته؛ قبيل عقد القمة العربية بيومين على ما أذكر، اتصل الرئيس المصرى بالرئيس عرفات وسمعت صوت مبارك يأتى من الهاتف يقول لعرفات: «يا ياسر لا تخرج من مكانك وخليك فى رام الله، لأنهم مش هيرجعوك»، وتألم أبوعمار كثيرا لعدم قدرته على المشاركة فى القمة، وزاد حزنه بعد القرار الأمريكى، بعدم اعتباره شخصية سياسة ذات حيثية وقرارها بالتعامل فقط مع مجلس الوزراء المشكل فى ذلك الوقت، لتفعيل مخطط تحجيمه وإبعاده عن المشهد العالمى.
■ وكيف تعامل الرئيس عرفات مع الأمر؟
- خلال تلك الفترة، كان محمود عباس أبومازن، رئيس الوزراء الفلسطينى، وكانت علاقته قوية بـ«أبوعمار»، وأذكر موقفا مؤثرا خلال تلك الفترة عايشته بنفسى، بعدما وجهت أمريكا دعوة إلى أبومازن لمقابلة جورج بوش، ووافق عرفات على سفر أبومازن إلى واشنطن، بعد اجتماع اللجنة المركزية. كنت أجلس فى مكتب أبوعمار أشاهد التليفزيون، وأثناء بث مقابلة أبومازن مع الرئيس بوش، قلت لأبوعمار: أبومازن رجل وطنى وصاحب موقف شجاع، بعدما قال لـ«بوش» إن أى موضوعات ستناقش لابد من مراجعة الرئيس عرفات أولا، لمناقشتها والرد عليها، وطلب من بوش فك الحصار عن أبوعمار، وأثناء كلامى كان أبوعمار مشغولا فى قراءة بعض الأوراق، ولم ينتبه إلى شاشة التليفزيون، لمتابعة مراسم الاستقبال، وبعدما انتهيت من كلامى قام أبوعمار، وكانت له عادة أن يمشى داخل غرفة المكتب، وردد: يعنى إيه واحد فى واشنطن، وواحد بين أربع «حيطان»، واستغربت الرد، ولم أعلق بأى كلمة.
■ كيف تعامل عرفات مع ملف الخلاف بين الفصائل؟
- فى كتابى «سنوات الأمل»، كتبت مقدمة بسيطة، قلت من خلالها إن الشعب الفلسطينى اتفق على تحرير البلاد، واتفق على الكفاح وشارك فى بذل الفداء، لكنه اختلف على من يحكم فلسطين، وهى المصيبة التى ضيعت القضية، كما أن الاختلاف الفلسطينى قديم وقبل مرحلة عرفات، لأن القيادات الفلسطينية اتخذت مواقف مختلفة، بعضهم يطالب بتحرير كل الأراضى الفلسطينية، والبعض يرى الحفاظ على المكاسب المتاحة، والتركيز على المفاوضات، وبعدها بدأت الدول العربية فى الاختلاف والتدخل فى الشأن الفلسطينى، مما أذكى ألاختلافات الفلسطينية الداخلية، وكان من نتائج ذلك للأسف أن الفلسطينيين أنفسهم تسببوا فى انقسام الوطن إلى جزءين؛ الأول فى غزة بحكومة مستقلة، وأخرى فى الضفة بحكومة مغايرة، وأثر الانقسام على القضية، وتساءلت عمن يمثل الفلسطينيين؟ فتح أو حماس، أبومازن أو خالد مشعل؟.
■ بخبرتك السياسية.. هل هناك أمل لتوحد الفلسطينيين من أجل القضية؟
- للأسف من خلال قراءتى للمشهد فإن مسألة التوحد على طريقة الحكم لن تظهرقريبا للنور، وهى العقبة الأساسية أمام تقدم القضية، لأن هناك برنامجين سياسيين مختلفين ومتعارضين لكل من فتح وحماس أقوى وأكبر المنظمات السياسية الفلسطينية، ويجب إعداد خطة مشتركة للسنوات الـ20 سنة المقبلة، لإقامة دولة فلسطينية مستقلة فى الضفة وغزة، وعبر تاريخ الحضارة البشرية لم يستمر اتفاق بين دولتين، إذ اختلفت موازين القوى، بدليل ما حدث مع ألمانيا بعد خسارتها الحرب العالمية، عندما وقعت على اتفاقية لضم بعض أراضيها إلى فرنسا، وعندما استعادت عافيتها واستعادت قوتها العسكرية رفضت استمرار الوضع، وطالبت بعودة أراضيها، ويجب أن نسأل أنفسنا: هل مهمة أبومازن أو مشعل أو أى شخص فلسطينى مسؤول الآن وفى ظل الظروف الداخلية والعربية والدولية، هو تحرير فلسطين.. أم الحفاظ على ما تبقى من فلسطين؟.. وردى أن شعار تحرير فلسطين ليس جديدا، وهو شعار قديم ويجب أن نفكر فيه دائما، وأعتقد أن الحل العسكرى الآن هو خيار إسرائيلى، وقد أثبت التاريخ أن إسرائيل دائما ما تلجأ الى الحل العسكرى، خلال صراعها مع الدول العربية، وأعتقد أنه من الحكمة أن نستمر فى المقاومة والذود عن أراضينا والاستمرار فى جذب المؤيدين لقضيتنا من الدولة والتفاوض الفاعل لنيل حقوقنا. وفى عام 81 ذهبنا إلى فيتنام برفقة أبوعمار، وكنت كباقى زملائى من أعضاء الوفد الفلسطينى متشوقين للقاء الرجل، الذى رهن حياته النضالية للدفاع عن بلاده ضد الاستعمار الفرنسى واليابانى وهزم الأمريكيين، وهو الجنرال «جياب» وهو رجل لطيف وحضر إلينا بسيارته وتحدث مع أبوعمار وسأله عن رأيه فى مستقبل الشعب والوطن الفلسطينى، وشرح له عرفات الظروف، وكان وقتها مقر السلطة الفلسطينية فى تونس، علق الزعيم الفيتنامى على ذلك بقوله: «إذا كنت تريد أن تحرر فلسطين فيجب أن تكون فى فلسطين، وبعد انتهاء اللقاء، أثرت كلمة الجنرال جياب، ولاقت صدى لدى أبوعمار».
■ كشفت فى كتابك «سنوات الأمل» أن عرفات هو المسؤول عن منظمة أيلول الأسود التى قامت بعمليات كثيرة ضد الاحتلال الإسرائيلى؟
- هذا الموضوع أحدث ضجة كبيرة، ولكن الحقيقة أن عرفات كان صاحب القرار الأول فى أى عمل سياسى أو عسكرى فلسطينى، وأنا على يقين من أن هذه العمليات إذا لم تكن تنفذ بتعليمات مباشرة من عرفات، فكانت تنفذ بمعرفته.
■ أنت تتهم إسرائيل بقتل ياسر عرفات.. وذكرت ذلك فى كتابك.. هل ما زلت عند رأيك بتحميل إسرائيل مسؤولية قتل عرفات؟
- شرحت تفاصيل موت عرفات فى جزء من الكتاب، وكنت معارضا لفحص جثمانه أو تشريحه بعد مرور 6 سنوات على رحيله، وقد طلبت من المسؤولين الفلسطينيين عدم الموافقة على إعادة تشريح جثة الرئيس من قبل خبراء من فرنسا وألمانيا وسويسرا، نظرا لصعوبة إثبات قتله بالسم، لأن الدول الضليعة فى الإجرام مثل إسرائيل لا تترك أثرا خلفها، وحدث ما توقعته، بعدما أحضر الفريق الطبى تقريرا بعدم تمكنهم من رصد أى مواد سامة فى الجثة، ما يعنى عدم وفاة عرفات بالسم، لكننى أؤكد أن إسرائيل قتلته، وربما كانت الوسيلة مختلفة، لكن إسرائيل قتلته بالحصار وحرمانه من الدواء وتحجيمه، وكانت حجتى أن الطب لم يتوصل إلى حقيقة وفاة عدد كبير من الزعماء والمشهورين.. هل مات جمال عبدالناصر بالسم من عدمه؟.. وكنت أتمنى أن نتفق ونتمسك بموقفنا، لكن الاختلاف أضعف موقفنا، ومنح إسرائيل فرصة للحصول على براءة من دم عرفات، رغم أنها السبب الرئيس فى وفاته. بعد نشر كتابى، تحدث معى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وقال: لماذا لم تحسم موقفك بشأن مقتل عرفات بالسم، رغم أن زملاءك الفلسطينيين والمقربين من صناعة القرار، خلال فترة رئاسته، أكدوا أن إسرائيل قتلته بالسم، وقلت له: من الصعب إثبات ذلك، لكنى متمسك بتحميل إسرائيل مسؤولية وفاته.
■ تردد أن عرفات كان يعانى أمراضا مزمنة تسببت فى وفاته.. ما حقيقة ذلك؟
- عرفات لم يكن يعانى أمراضا مزمنة، وعانى فقط من البهاق فى سنوات ماضية، وتم علاجه، لكنه كان يأخذ أدوية كثيرة، ولم يكن يعانى أمراضا جسدية واضحة، وتدهورت صحته فى الأيام الأخيرة، خلال فترة حصاره وبعد ذهابه لباريس.
■ كيف تلقيت نبأ وفاة عرفات؟
- كانت فترة صعبة جدا، ولا أريد أن أتذكرها، لأننى عاصرت أبوعمار، خلال فترة شبابه، وهو بكامل صحته.
■ كيف كانت علاقة عرفات وعبدالناصر؟
- رغم أننى لم أعاصر تلك الفترة، لكنى أعرف أن علاقتهما كانت جيدة، وقد أقنع عبدالناصر عرفات بالدخول فى منظمة التحرير، لرغبته فى توحيد صف الفلسطينيين لتأسيس كتلة موحدة للنضال ضد الاستعمار الإسرائيلى، ومن المعروف أن منظمة فتح كانت خارج منظمة التحرير الفلسطينية، بين سنة تأسيسها 1964 وانضمامها 1968.
■ هل كان قرار الموافقة على التوحد مع منظمة التحرير صائبا؟
- بالتأكيد كان قرارا صائبا، لأن الهدف تشكيل منظمة فلسطينية سياسية تمثل كل الفلسطينيين لمتابعة العمل لتحقيق الأهداف الشرعية الفلسطينية، عن طريق خلق كيان قوى ومستقل يتحدث باسم فلسطين، وهو ما حدث.
■ من خلال رحلة نضال الشعب الفلسطينى ضد الاحتلال.. ما المكاسب التى تحققت على أرض الواقع؟
- الشعب الفلسطينى خلال نضاله لحوالى قرن من الزمن لتحقيق مطالبه الوطنية قدم الآلاف من الشهداء والجهد، وسوف يستمر بالمقاومة رغم الموت والدمار والظلم والحصار. كان أبرز علامات نجاحه السياسى إعادة تحشيد الشعب الفلسطينى الذى تم تشريده من بلاده فى تنظيم سياسى هو منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، كما أضاف نتيجة للكفاح الدموى للشعب الفلسطينى، اتفاق أوسلو عام 1993 لإرساء حقيقة الوجود القانونى للشعب والدولة الفلسطينية. قد يكون هذا الإنجاز الأخير غير كاف أو مرضٍ لتطلعات الشعب الفلسطينى، ولكنه أول لبنات بناء دولة مستقلة حقيقية.
■ وماذا عن علاقة عرفات والسادات؟
- فترة حكم السادات شهدت اختلافا مع عرفات بسبب زيارته القدس، وإبرامه اتفاقية كامب ديفيد، واستمرت القطيعة مع مصر حتى عام 88، وللعلم، خلال تلك الفترة لم تنقطع العلاقات والمشاورات بين الجانبين الفلسطينى والمصرى، واستمرت من خلال الاتصالات غير المعلنة بين الرئيس عرفات والرئيس السادات.
■ وماذا عن فترة حكم مبارك؟
- كان عرفات يأنس للرئيس مبارك، كما كان شديد القرب من مصر وشعبها وحكامها دائما، إن مصر الدولة القوية والجار والشقيق فى العروبة والإسلام، وهى ضمان وأمان بتحتم شراكتها وطمأنتها والتعاون والتنسيق معها.
■ هل توقعت ثورات الربيع العربى؟
- كان من الطبيعى أن يتوقع الإنسان تغير الأوضاع فى المنطقة العربية التى كانت جامدة التطور السياسى متوقفة التقدم الفكرى. عاجزة عن التماشى مع التطور العالمى الكبير. ولكن الموضوع الذى انتهت إليه ثورات الربيع العربى وضع شعوب الأمتين العربية والإسلامية فى مواجهة مشكلة عانت منها أوروبا لأكثر من قرنين من الزمن. إن الخلاف حول مكانة الدين فى المجتمع العربى والمسلم هو السبب فى معظم الحروب الأهلية الجارية. كما أن مكانة الدين فى المجتمع يجب أن تكون فى أعلى درجات الاهتمام والاحترام، لكن استغلال الدين وتفاسيره البشرية المتطرفة يتسبب فى الفوضى وسفك الدماء البريئة والخراب الذى نشهده اليوم. إننا جميعا نواجه أزمة ربما نحتاج لسنوات طويلة للوصول إلى حل لها.
■ ممكن توضح؟
- سوف أعطى مثلا، أنا نشأت على غرار الجيل الذى أنا منه، على أهمية وقداسة رابطتى الإسلام والعروبة، ويبدو اليوم أن هذه الثنائية قد سقطت، ولم تعد مرجعا أو مرجعية لكن المسلمين هم الذين يقتلون المسلمين، كما أن العرب هم الذين يقتلون العرب.
لقد أصبحت رابطة الدين قتالية والمسلمون يتقاتلون، والعروبة اليوم لا تردع عربيا عن قتل عربى، وليزيد الجرح ألما، فإن السوريين يذبحون سوريين وكذلك المصريون يقتلون مصريين، وكل شعب عربى مشغول بقتل أو قصف إخوانهم فى الوطن والعروبة والدين. نحن الآن بحاجة للعيش وفق روابط أخرى تجمعنا حتى نحقق السلم والرخاء المجتمعى، ولا يبدو أجدر من «رابطة المواطنة»، لتكون رمز عملنا من أجل سلامة شعوبنا وتقدم بلادنا.
■ وما السبيل للخروج من هذه الأزمة؟
- يجب أولا أن ندرك أن تقدم العالم والحضارة البشرية جاء نتيجة لتبادل التجارب التى تخوضها الشعوب، وهذه التجارب المختلفة متشابهة ومتكررة. لقد واجهت أوروبا هذه المشكلة فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وبعد صراع دامٍ من الزمن توصلت إلى حل ووفاق وطنى ومجتمعى، ووضعت الدين فى مكانه المحترم، وحمته من أى تدخل أو مساس. وهذا لا يعنى فصل الدين عن الدولة، ولكنه يعنى الترفع بالدين عن السياسة، الأمر الذى يجنب الدين الصراعات السياسية.
■ هل تأثرت القضية الفلسطينية بثورات الربيع العربى؟
- أتفق معك على أن القضية الفلسطينية تأثرت بتلك الثورات، وأنا حزين جدا لوضع القضية حاليا، فلم تعد على طاولة الدول الكبرى التى انشغلت بالقضايا الأخرى، مثل الأزمة السورية والليبية واليمنية.
■ هل الوقت مناسب لإجراء مصالحة فلسطينية جديدة؟
- أرفض كلمة مصالحة، وأحب أن أطلق عليها كلمة توحد، لأن المصالحة تكون بين طرفين متخاصمين، وقد أجرينا مصالحة عام 2006، وتولت حكومة ائتلافية جديدة السلطة، وقسمت الوطن، ولا أتوقع توافقا فى المستقبل القريب. وأتمنى على الفصائل الفلسطينية، خاصة فتح وحماس أن تتخلى عن السلطة، ويسلموها إلى أعلى سلطة قضائية فى الضفة وغزة لتشكيل حكومة مؤقتة من خبراء ومستقلين للتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة، خلال ستة أشهر تتسلم بعدها الحكومة الجديدة المنتخبة من الشعب زمام أمور الاستمرار فى النضال لتحقيق أهدافنا الشرعية، ولا أرى بعد تجربتى الطويلة فى العمل السياسى الفلسطينى بديلا لهذا الحل.
■ كيف ترى ثورتى 25 يناير و30 يونيو؟
- سوف أتحدث عن فترة ما بعد الثورتين، وأرى أن مصر بتماسكها ووحدتها أنقذت الوطن العربى من التفكك، لأن من عادة الثورات كما علمنا التاريخ أنها تقود إلى الفوضى، ومنها الثورة الفرنسية وما شهدته من أحداث وتخبط وضحايا، ولم تعرف فرنسا طريق الديمقراطية سوى بعد 200 سنة، وأعتقد أن تماسك مصر بوحدتها، رغم أنها شهدت ثورتين، إلا أنها أعادت الاستقرار للدول الأخرى.
■ لكن ما زالت سوريا وليبيا والعراق واليمن تعانى من التفكك والحروب؟
- أرى أن كل القضايا التى أشرت إليها فى طريقها إلى الحل. وعندما يحدث توحد دولى، وتبدأ مرحلة التفاوض، وتشكيل حكومة موحدة فى ليبيا، وبدء الكلام عن حلول قريبة للقضية السورية، أعتقد أنها مؤشرات للوصول إلى حلول حتى لو استغرقت عشرات السنين.
■ يهدد تنظيم داعش المنطقة العربية بعد توغله فى العراق وسوريا وليبيا.. كيف ترى هذه الظاهرة؟
- داعش تعبير عن غضب بعض الطوائف الدينية من سيطرة طوائف أخرى، والقائمون على داعش كانوا موجودين منذ زمن، عندما سقط صدام حسين فى العراق وتدخلت أمريكا، وعندما تولى حكم العراق نظام اتهم بأنه منحاز للطائفة الشيعية، واعتقد أهل السنة أن الشيعة مسيطرون على زمام الأمور فى العراق وحدث انشقاق داخل الجيش العراقى، وانضمت فرق بأكملها من الجيش العراقى إلى داعش، وبدأت الظاهرة فى الانتشار، وتحاول إقامة دولة خاصة بهم. وليس هناك من شك بأن دولا عديدة مجاورة وغير مجاورة قد أسهمت فى تداعى الأمور، لتحقيق أهداف ومصالح، يبقى الشعب العراقى الموحد هو الذى سيهزم الفوضى، ويعود بالعراق الموحد المتماسك لأخذ دوره فى تقدم المنطقة بأسرها.