انطلقت أنشطة المؤسسة فى فبراير 2014 واستمرت طوال ثلاثة أشهر، داوم خلالها الزوجان على نشر كل ما يتعلق بالمؤسسة، والأطفال الذين ترعاهم، على صفحتها الخاصة بموقع «فيس بوك»، فى صورة يوميات تروى كل ما يتعلق بـ«أسرة بلادى»، كما كانت تحب أن تصفها، فى صورة يوميات اطلع زوجها وشريك حلمها، محمد حسنين، بتدوين الجانب الأكبر منها خلال إدارته للصفحة، وعبر صفحته الشخصية على الموقع ذاته.
ولأنه حلم، خضع إلى قواعد الأحلام التى لا تعترف بالتسلسل المنطقى، لينتهى الأمر سريعاً بعد خلاف مع أحد والد أحد الأطفال المختفين الذى قصد الجمعية خلال بحثه عن نجله الهارب، لتتطور الأحداث بأسرع من قدرة الزوجين على الاستيعاب، وينتهى الحال بهم متهمين فى قضية تم استخدامها سياسياً، من خلال بعض محطات التليفزيون والصحف والمواقع الإخبارية، باعتبارها شبكة للاتجار فى البشر واستغلال الأطفال فى الاعتداء على الشرطة والتظاهرات بقيادة سيدة أمريكية، فى إشارة إلى جنسية آية الثانية التى اكتسبتها من خلال أبويها.
«قضية ترقية»، هكذا وصف أحد الضباط المرتبطين بالتحقيقات الأولية للقضية عقب القبض على آية الأمر، مفسراً لأسرتها سر الفرقعة الإعلامية التى صاحبت الإعلان عن القضية، والتى صاحبها تسريب لتسجيلات مصورة لإفادات الأطفال الذين تم التحفظ عليهم فى مقر الجمعية خلال التحقيقات، بالتوازى مع صور مأخوذة عن نفس التسجيلات المصورة فى تغطيات صحف ومواقع إخبارية تحت عناوين تشير إلى «ضبط شبكة تتزعمها أمريكية لاستخدام أطفال الشوارع فى مظاهرات الإخوان».
أكد على ذلك محمد زارع، مدير مكتب مصر لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن القضية حلقة جديدة ضمن مسلسل استهداف العمل الأهلى والمجتمعى فى مصر، «الدولة لا ترحب بالمبادرات الاجتماعية بشكل عام، وتعمل بكل الطرق على محاصرة القائمين عليها والتضييق عليهم إدارياً وقانونياً»، قال زارع، موضحاً أن الوضع تطور فى حالة مؤسسة بلادى إلى استغلال القضية فى بروباجاندا إعلامية تتوافق مع ادعاءات حكومية بتجنيد أطفال الشوارع من خلال جهات غير معلومة فى التظاهرات.
وتابع: «استغلال القضية إعلامياً كان واضحاً فى تسريب تفاصيلها بعد ساعات قليلة إلى محطات وصحف تناولتها بشكل غير مهنى يرسخ الرواية الأمنية حول استغلال أطفال الشوارع فى التظاهر»، وأضاف: «مؤسسة بلادى كانت حالة نموذجية؛ فهى مهتمة بأطفال الشوارع، ومقرها يقع فى شارع محمد محمود، وعلى بعد خطوات من ميدان التحرير، لذلك كانت القضية».
اتفق معه باسل حجازى، شقيق آية، مؤكداً أن إثارة القضية إعلامياً بهذه الصورة المبالغ فيها يؤكد النية لاستغلالها سياسياً، وأضاف: «قبل القضية بأيام قليلة تحدث عدد من البرامج التليفزيونية عن الجمعية باعتبارها نموذج للعمل الأهلى والتطوعى، وبعد القضية هاجمت نفس المحطات التليفزيونية المؤسسة ووصفتها بـ(العصابة الأمريكية)». وتابع: «تم تسريب التسجيلات التى تتضمن أقوال الأطفال فى محاضر الشرطة لوسائل الإعلام قبل بدء النيابة تحقيقاتها فى القضية، ما أساء إلى المتهمين وعائلاتهم، بالإضافة إلى الأطفال أنفسهم، وكشف عن النية لاستخدام القضية سياسياً».
وقال شقيق مؤسسة الجمعية إن الأطفال الذين ظهروا فى تسجيلات الشرطة المسجلة هم أنفسهم من ظهروا قبل ذلك مع شقيقته فى عدد من البرامج التليفزيونية للحديث عن أنشطة الجمعية ودورها فى دعمهم وإعادة تأهيلهم، بعد أن كان الشارع ملاذهم الوحيد.
على الجانب الآخر، قال العميد خالد عبدالعزيز، مدير إدارة مباحث رعاية الأحداث الذى كان رأس قوة الشرطة التى انتقل لمقر المؤسسة فى مداخلة تليفزيونية لبرنامج «الحدث» المذاع على قناة العربية الحدث، إنه انتقل إلى مقر الجمعية بناء على بلاغ من والد أحد الأطفال المختفين اتهم الجمعية باحتجازه، وأوضح فى المداخلة التى أذيعت على الهواء بتاريخ 13 مايو 2014 إن أبواب الجمعية لم تكن مغلقة بجنازير كما قالت بعض وسائل الإعلام، وأن الأطفال لم يكونوا محتجزين أو مقيدين داخل مقر الجمعية، واصفاً ما تردد عن ذلك بـ«المبالغات الصحفية».
وأضاف: «داهمنا مقر الجمعية ومكنش فيه مداهمة أو حاجة، ده مقر جمعية وزى ما هما بيدعوا القائمين على الجمعية أنه مقر الجمعية مش مكان مغلق ولا حاجة، دخلنا نستعلم فوجدنا عددا من الأطفال وسألنا الناس المتواجدين فى الجمعية فقرروا أنها جمعية للدفاع المجتمعى، سألناهم عن وجود تراخيص أو إشهار للجمعية من عدمه، أفادوا أن الجمعية غير مشهرة وأنهم فى طريقهم لاستصدار إجراءات الإشهار».
وقال عبدالعزيز فى المداخلة إنه لم يحصل على إذن مسبق من النيابة العامة قبل التوجه لمقر الجمعية، لأنه لم يكن ينفذ أمر ضبط، ولكنه تبين له أن الجمعية تقوم بإيواء 20 طفلاً بدون أى تراخيص أو مصوغ قانونى، على حد قوله. ونفى أيضاً وجود إذن مسبق من النيابة العامة لتسجيل أقوال الأطفال وعرضها تليفزيونياً.
«أم باسم»، والدة أحد الأطفال المترددين على المؤسسة، علمت بالقضية من وسائل الإعلام «شفت ابنى وسط أولاد تانيين على التليفزيون وبيتكلموا عن المؤسسة كلام وحش، فطلعت على قسم عابدين ولما لقيت آية ومحمد قدامى شتمتهم»، تقول الأم، وتروى قصتها مع المؤسسة: «ابنى لظروف عائلية هرب من البيت، دورنا عليه وعملنا محضر فى الشرطة، وبعد 21 يوما كلمونى من المؤسسة وبلغونى أن أسامة كان فى الشارع وهما استقبلوه، وبعدين وصلوه للبيت مع متطوعة فى الجمعية اسمها أميرة، هى واحدة من المحبوسين على ذمة القضية دلوقتى».
تتابع أم باسم: «ابنى كان عنده مشاكل مع أبوه، علشان كده رفض يقعد فى البيت، وطلب يرجع المؤسسة، روحت معاه أشوف المكان والناس، ولقيته مبسوط وبيحب آية ومحمد وباقى الناس فى المؤسسة، بيعاملوه كويس وبيعلموه القراءة والكتابة اللى معرفش يتعلمهم فى المدرسة». تتابع: «لما شفت كلام التليفزيون عن المؤسسة كنت هتجنن، بعدين اتكلمت مع ابنى واتأكدت منه إن الكلام مش حقيقى، وافتكرت معاملتهم مع الأولاد اللى شفتها بنفسى كل مرة كنت بروح المكان، فرجعت اعتذرتلهم وطلبت أشهد فى النيابة ومعرفتش، ومن وقتها بحضر الجلسات وبتابع القضية مع أهل المتهمين».
شهادة أم أسامة تتطابق مع شهادات أسر أطفال آخرين تعاملت معهم المؤسسة، لكنها تتعارض مع شهادات أخرى لأطفال أفادوا بأنهم تعرضوا لاعتداءات بدنية وجنسية، بعد احتجازهم داخل مقر المؤسسة، وهى الشهادات التى أكد المحامى الحقوقى محمد زارع المهتم بمتابعة القضية، إنها جاءت بعد ضغوط على الأطفال، مشيراً إلى رفض عدد منهم الإدلاء بشهادته وطلب آخرين تغيير أقوالهم أمام المحكمة، بعد إدلائهم بشهادات أمليت عليهم من قبل ضباط الشرطة.
وأشار زارع إلى أن المؤسسة كانت تعمل وفق قانون الجمعيات الأهلية، بعد بدء القائمين عليها فى إجراءات التأسيس التى كانت جارية خلال عمل المؤسسة، بعد حصولهم على خطاب يفيد كونها مؤسسة تحت الإشهار، وهو أمر معتاد نتيجة للتدخلات الأمنية التى تعطل استيفاء الإجراءات. وأوضح أن مقر المؤسسة كان معروفاً، وعلى بعد خطوات من ميدان التحرير، وفى قلب واحد من أشهر شوارع وسط المدينة، ما ينفى شبهة احتجاز الأطفال أو ممارسة أى نشاط غير قانونى.
ويضيف: «لم تتضمن أحراز القضية أى دليل على اتهامات الاستغلال الجنسى أو الاحتجاز القسرى والتعذيب، ونفى تقرير الطب الشرعى وجود آثار اعتداءات جنسية حديثة على الأطفال المتواجدين بالجمعية»، ما ينفى معظم الاتهامات الموجهة للمتهمين، حسب زارع، الذى أشار إلى التعنت فى إخلاء سبيل المتهمين على ذمة القضية طوال ما يقرب من عامين، لم تشهد فيهم القضية تطوراً يذكر.
التهمة الانتماء لـ«ميدان التحرير»، يقول مصدر فى إدارة الجمعيات بوزارة التضامن الاجتماعى، مشيراً إلى متابعته لملف المؤسسة منذ الإعلان عن القضية، قبل أن يؤكد أن الأمر متعلق بالتضييق على المنظمات التى يديرها أفراد محسوبون على «ثورة يناير»، يقول المصدر الذى طلب عدم ذكر اسمه، ويعدد جمعيات ومؤسسات مماثلة أغلقت أو أجبرت على وقف أنشطتها لانتماء مؤسسيها إلى شباب الثورة، مثل مؤسسة «نبضة» التى أسسها وائل غنيم، أدمن صفحة كلنا خالد سعيد الشهيرة، والتى اضطر إلى إغلاقها بعد فشله فى فتح حساب بنكى فى جميع البنوك المصرية، بإيعاز من أجهزة الأمن، وجمعية 6 إبريل التى أغلقت بعد حظر نشاط الحركة منذ عامين، على حد قوله.