فتاة مصرية وراء نجاح كاتب هولندي

لمياء المقدم الثلاثاء 02-02-2016 22:20

قبل عشرين عاما في واحد من شوارع القاهرة، قالت فتاة مصرية لشاب هولندي أن “الرجل الجيد يضرب زوجته أحيانا”، هذه الجملة على بساطتها أدت لظهور واحد من أبرز كتاب هولندا اليوم، وأهمهم على الإطلاق.

فبعد عودته من القاهرة، حيث تلقى دروسا في اللغة العربية، نشر يوريس لايندايك، وهو صحفي هولندي شاب درس اللغة العربية بجامعة أمستردام، أول مؤلفاته تحت عنوان، بدا مثيرا ولافتا للقارئ الهولندي آنذاك: “الرجل الجيد يضرب زوجته أحيانا”، نال به شهادة الدكتوراه في الانثروبولوجيا الدينية، اختصاص العالم العربي، ولم يكن الكتاب أكثر من مشاهدات وتجارب شخصية دونها الكاتب الشاب خلال إقامته في القاهرة، حيث تعرف على “فاطمة” التي ربطته بها علاقة صداقة حميمة وكانت تفسر له ما يستعصي عليه فهمه من الثقافة العربية والممارسات اليومية للمصريين. فاطمة (اسم مستعار اختاره الكاتب على مايبدو لسهولة تداوله في المجتمع الغربي) أخبرته في إحدى مناقشاتهما أن الرجل الجيد هو الذي يضرب زوجته من حين لآخر، لأن ذلك دليل على حبه لها وغيرته عليها. نال الكتاب شهرة جيدة، عد على اثره لايندايك خبيرا في شؤون الشرق الأوسط لينتقل بعدها الصحفي الشاب إلى الإقامة بين القاهرة وبيروت والقدس، والعمل كمراسل لكبريات الصحف والقنوات التليفزيونية الهولندية، خلال هذه الفترة كتب كتابا بعنوان، “نصيحة من الحجاب” ربط فيه بين الإسلام المتطرف والإرهاب، ولم يكن الجدل حول هذا الموضوع قائما بعد، ثم جاءت أحداث ١١ سبتمبر لترفع الكتاب وصاحبه إلى أعلى اهتمامات النقاد والمتابعين.

في ٢٠٠٣ عاد لايندايك للاستقرار في مدينة أمستردام، وأصدر كتابه الجديد بعنوان:“هم بالكاد بشر”،رصد فيه صعوبة إنتاج إعلام نزيه ومحايد في العالم العربي في ظل الديكتاتوريات التي تهيمن على المنطقة، وسلطة البروباجاندا، وتعرض فيه لحياة الصحفيين ومعاناتهم والفرق بين ما تنقله الصورة للمشاهد وبين الواقع. فاز الكتاب بواحدة من أهم الجوائز الأدبية في هولندا، وباع عدة مئات الآلاف من النسخ. كما نال الكاتب لقب: صحفي العام، وتوجته أكاديمية فرنسية بجائزة لم تمنح في تاريخها لغير الفرنسيين.

في كتابه الأخير الصادر منذ أسابيع قليلة: “شيء لا يصدق” والذي يوجد الآن على رأس قائمة مبيعات الكتب في هولندا، فاجأ لايندايك الرأي العام الهولندي والبريطاني بدراسة أنثروبولوجية عن عالم البنوك والمعاملات المالية في لندن، وهو تحقيق أجراه لصحيفة الجارديان البريطانية حيث يعمل. وتوصل الكتاب إلى استنتاج مفاده أن المؤسسات والجهات الموكل إليها مهمة رفع الاقتصاد وحمايته، هي نفسها القادرة على الإطاحة به إلى ما تحت الأرض.

البداية كانت مع الأزمة المالية التي اجتاحت عالم البنوك والعقارات في ٢٠٠٨، ساعتها تساءل لايندايك عن سبب عدم اهتمام الناس بأكثر المجالات تأثيرا في حياتهم: المال والمصارف، لكنه أرجع ذلك إلى تعقيدات هذا المجال وانغلاقه، حتى بات فهمه شبه مستعص على المواطن العادي. لكن رئيسه في الجارديان شجعه على البدء بسؤال يعتبر سهلا وهو: هل ستكون السيارة الإلكترونية مفيدة أم مضرة باقتصاد الأفراد؟ السؤال جر وراءه قائمة طويلة من الأسئلة استغرقت الإجابة عليها عامين كاملين لتوصله في النهاية إلى قاعة البرلمان في كل من بلجيكا وانجلترا، حيث تم استجوابه من قبل اللجنة المكلفة بالتحقيقات داخل البرلمانين.

بعد صدور كتابه الأول: “الرجل الجيد يضرب زوجته أحيانا”، التقيت لايندايك في مناسبة اجتماعية نظمتها إحدى السفارات العربية في لاهاي، أخبرته أنني قرأت الكتاب واعجبت به، وسألته إن كان يفكر في ترجمته إلى العربية، لكنجوابهكان مفاجئا لي. قال إن هذا حلمه، لكن حبه لمصر وللمصريين يمنعه من القيام بهذه الخطوة، خشية إثارة حساسيتهم، وأضاف: “تعرفين كم هم وطنيون وغيورون”.

لا يوجد في الكتاب ما يثير الحساسية، ولم يتعرض الكاتب، من وجهة نظري، لما يسيء إلى مصر أو المصريين من قريب أو بعيد، فالكتاب ليس أكثر من مشاهدات وانطباعات شاب في بداية حياته العملية، يدخل لأول مرة بلدا عربيا، ويدرس بإحدى جامعاته، ويحتك بالشباب في سنه، ويعجب بواحدة من الطالبات.

ترجمت كتب لايندايك إلى ١٢ لغة على الأقل، ليس من بينها العربية، اللغة التي يحبها ويتكلمها، وبدأ مشواره الأكاديمي والأدبي منها، والسبب خوفه من “جرح” مشاعر المصريين بسبب مشاهدات واستنتاجات يمكن أن نقول عنها إنها عفوية، لشاب في مقتبل العمر تربطه علاقات صداقة قوية بمصريين من مختلف الطوائف. فهل خوف لايندايك مبرر؟ ولماذا يحمل كاتب في حجمه هذا الإنطباع عن المصريين؟ هل يصل الحس الوطني بالمصريين لدرجة أن يتردد كاتب في ترجمة كتابه للغة يحبها ويجيدها؟