السياسة التركية من سيئ إلى أسوأ

جهاد الخازن الثلاثاء 02-02-2016 21:27

يُفترض أن تبدأ فى جنيف، اليوم، جولة جديدة من مفاوضات السلام السورية، وأكتب قبل بدئها، وأغامر وأقول إنها ستفشل ككل جولة سابقة، ثم أزيد أن طغيان الموضوع السورى على الأخبار من المنطقة يغطى على تحوُّل تركيا تدريجياً إلى دولة حزب واحد، هو حزب العدالة والتنمية، ورئيس واحد أو أوحد، هو رجب طيب أردوغان.

اقرأوا معى: مدن بكاملها ومناطق تحت الحصار. الدبابات تهدر فى شوارع ضيقة وقد أُغلِقَت بحواجز وأنفاق. السكان محصورون داخل بيوتهم أسابيع بسبب حظر التجول، والذين يغامرون بالخروج يتعرضون لخطر القنَّاصة. جثثهم تُترَك فى الشوارع أياماً قبل جمعها. الرصاص يخترق زجاج النوافذ، والمبانى تتساقط بسبب القصف، وتقتل الذين يحاولون طلب الأمان داخل بيوتهم.

ما سبق كتبه عبدالله دمرباس، الذى كان رئيس بلدية منطقة سور فى ديار بكر بين 2004 و2014، ومقاله كله من هذا النوع، فالأتراك جميعاً يدفعون ثمن المواجهة بين الحكومة وحزب العمال الكردستانى.

لو كان مقالاً واحداً لما كنت صدقته، إلا أننى فى الوقت نفسه قرأت فى مجلة إنجليزية: تركيا أصبحت أقل ديمقراطية وأكثر دولة حزب واحد متشنجة. إذا لم تصدق هذا الكلام فانظر إلى مصير الذين يلفتون النظر إلى تقصير الحكومة وجرائمها. كبار المحررين فى جريدة «جمهوريت» الوسطية اليسارية يكتبون افتتاحياتهم من السجن منذ تشرين الثانى (نوفمبر). وقد أصدرت جمعية الصحافة فى أزمير هذا الشهر بياناً يدَّعى أن 31 صحفياً تركياً فى السجن، وأن 234 آخرين يواجهون المحاكمة، وقد أُغلِقَت السنة الماضية 15 محطة أخبار ورُفِض طلب 56 صحفياً تسليمهم بطاقات اعتمادهم كصحفيين عاملين.

الولايات المتحدة نفسها أعلنت قلقها من مدى التزام تركيا الديمقراطية وحرية الكلام، وحضَّت السلطات التركية على صون حق كل مواطن فى تركيا بممارسة الحريات الديمقراطية. والناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر انتقد التهم الموجهة إلى صحفيين عاملين فى جريدة «جمهوريت»، وقال إن بلاده قلقة جداً من هذه التطورات. هو لاحظ أن صحفيين اعتُقِلوا أو سُجِنوا قبل أن يُحاكموا.

ما سبق لم يمنع نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن من أن يقول إن الولايات المتحدة وتركيا مستعدتان لحل عسكرى ضد «الدولة الإسلامية» المزعومة فى سوريا إذا فشلت الحكومة السورية والثوار فى الوصول إلى تسوية سياسية.

تصريح «بايدن» أثار ضجة، ومسؤولون فى وزارة الخارجية الأمريكية اضطروا إلى الإيضاح، وقالوا إن «بايدن» كان يتحدث عن حل عسكرى للدولة الإسلامية المزعومة وليس سوريا كلها.

«بايدن» يصرح، وفى تركيا تواجه «سى. إن. إن تركيا» احتمال المحاكمة بزعم أنها «أهانت الرئيس» بعد أن وُصِف فى خبر بأنه «ديكتاتور». هذا الكلام استمر ثوانى معدودات، ولكن الموقف الحكومى يعنى أن يسمع به كل الناس بعد أن كان مرَّ بسرعة ومن دون اهتمام به.

كنت رحبتُ يوماً بوصول رجب طيب أردوغان إلى الحكم، وقدَّرتُ مواقفه من حصار غزة، إلى الأمم المتحدة فى نيويورك، إلى دافوس والمنتدى الاقتصادى العالمى، ثم استضافة مئات ألوف اللاجئين السوريين. إلا أنه تغيَّر، فالرجل الذى قاد نهضة اقتصادية تركية غير مسبوقة فى العقد الماضى تحوَّل تدريجياً إلى سلطان، لا يرى غير رأيه، ولا يقبل نقداً أو معارضة.

والمشكلة مع أردوغان ليست تركية فقط، فإذا لم يعد الرئيس كما بدأ فإن دول المنطقة كلها ستدفع الثمن مع أكراد تركيا وسوريا.

نقلاً عن جريدة «الحياة اللندنية»