(1)
اختار الرئيس عبدالفتاح السيسي «نافذة خارجية» ليطل منها على الشعب، ولا اعترض على ذلك، فقط أسجل هذه الملاحظة لتعميم مبدأ «النوافذ هي النوافذ» فلا يتهمنا أحد بعد ذلك بالعمالة إذا شاهدنا في نافذة أجنبية!، وأوضح أيضا أنني لا أنوي التعليق على مضمون المداخلة المفاجئة للرئيس في برنامج «القاهرة اليوم»، فالكلام والرد عليه لم يعد هو المؤثر في مستقبل مصر، فهناك من يرفع صوته ضد الرئيس من داخل المنظومة، ولا أدري هل هؤلاء فقط هم «عفاريت الخرابات» التي ألمح إليها السيسي بأدبه المعروف، أم أن «العفاريت» أكثر وأبشع مما يتخيل ونتخيل؟.
(2)
إذا كنت سأتجنب التعليق على «النافذة» التي أطل منها الرئيس، وكذلك على «مضمون» المداخلة، فعن ماذا سأكتب إذن؟.
سأكتب عن السيسي نفسه، عن حالة رئيس في دوامة، أو بدقة أكثر: حالة رئيس يقود بلداً في دوامة، لذلك فإن تفكيره في النجاة يعلو على أي شئ آخر، لكن هذا التفكير الأحادي قد يؤدي إلى حالة من التشنج والفزع، بحيث يصبح (التفكير الأحادي) أخطر من الدوامة ذاتها، بل وقد يكون هو سبب الغرق وليس الدوامة، لهذا أبدأ بسؤال عن السبب الذي دفع الرئاسة لإجراء اتصال مع «فضائية مشفرة» ليعلق فيها رئيس الجمهورية بنفسه على «ظاهرة الألتراس» وجريمة ملعب بورسعيد التي راح ضحيتها عشرات المصريين؟!
(3)
تقنين «الألتراس» أم تفكيك المجتمع؟!، ولا أظنه يبتعد عن الخطوة التي يريد الرئيس أن يخطوها الآن، والتي تأخر فيها كل هذا الوقت، كما تأخر في ملفات داخلية كثيرة، كتبت وكتب غيري عن ضرورة الاهتمام بها مثل: استيعاب الشباب بما يليق باتجاهات العصرية وتصوراته عن نفسه وعن زمنه، ومثل إفساح المجال لتشكيلات سياسية قوية ذات طابع مجتمعي تسهم في إدارة شعبية مخططة للدولة تساعد فيها الأحزاب والجمعيات الأهلية والأسر الجامعية ومراكز الشباب والقيادات الشعبية الطبيعية، بحيث لا ننتظر النتائج الحتمية التي ستسفر عنها انتخابات المحليات التي ينتظرها بترصد «عفاريت الخرابة»، ومثل إشهار المعايير الدستورية والأخلاقية كضمانة لعدم تغول الفاسدين وانقضاضهم على الثورة ومبادئ الإصلاح، بحكم سيطرتهم على مفاصل الدولة.!
(4)
الرئيس يسهر في العمل لوقت متأخر من الليل، ويتابع اهتمامات الناس، من القبض على الرسام النحيف إسلام جاويش، إلى هتافات «ألتراس أهلاوي» في ملعب «مختار التتش» والتي هددت بالتصعيد، وأظنه يتابع الكثير غير ذلك، لكن هل يفيد ذلك الجهد حقاً في استقرار الأموار وتجنب الدوامة الجهنمية التي تهدد مصر كلها وليس الرئيس وحده؟. لا أحب أن أجيب عن هذا السؤال، لأنه يظل مفتوحا بقدر نجاح الرئيس على تقديم إجابات عملية وحاسمة على أسئلة المصير وفي مقدمتها تأكيد إنحيازه للثورة، ليس بالتصريحات، ولكن بالإجراءات الحتمية التي يجب أن تبدأ بعد أي ثورة، وهي لا تعني بالضرورة الصدام والعنف والمصادرات والنفي والدم، بالعكس يمكن تمريرها بسلاسة وهدوء وحزم من خلال ثلاثة مراحل حقيقية وليست شكلية: 1- المحاسبة 2- التطهير 3- إعادة الهيكلة واختيار وتقييم رجال النظام بمعيار الأداء وليس الولاء.
(5)
لكن.... لا المحاسبة تمت بما يحقق مبادئ الثورة وينصر أمل الشهداء والأحياء، ولا التطهير بدأ، بالعكس زاد التلويث، وحدث نوع من تمكين الفاسدين وإعادتهم إلى الواجهة بحجة مساندتهم في إطاحة الإخوان، وبالتالي فإن أي محاولة لإعادة الهيكلة ستتم على طريقة «شالوا ألدو جابو شاهين»، ويظل مصير مصر معلقا بين فاسد مفضوح وفاسد أقل فضيحة، وهذه هي الدوامة التي أبعدت الكثيرين (وأنا منهم) عن الرئيس، فقد كان اختياره للمستشار الزند وزيرا للعدل «صدمة»، ليس كراهية للزند كشخص، ولكن لأن الاختيار دلالة على اتجاه غير ثوري سرعان ما تصدر المشهد حتى باتت ثورة يناير مؤامرة حقيرة يلعنها «عفاريت الخرابة» جهاراً نهاراً تحت سمع وبصر الرئيس، بل أن أحدهم حَرَّف أداء اليمين في البرلمان مؤكدا عدم احترامه للثورة وللدولة وللدستور، ومع ذلك لم يحاسبه أحد!
(6)
ربما كانت «نافذة» الرئيس انتقائية تطل على هذا، ولا تطل على ذلك، ربما لا يعرف الكثير مما يحدث من فساد حيث يبدو المزاج «الفلولي» في «فتح ملفات» و«إخفاء ملفات»، في التربص مع هذا و«الطرمخة» على هؤلاء، ربما لا تصله تصرفات الزند، ولم يسمع تصريحات مرتضى وعكاشة وبكري وموسى وسواهم، لكن لماذا اهتم الرئيس بقضية الألتراس ودعاهم لتشكيل لجنة (لا اعرف مدى قانونيتها) للإطلاع على نتائج التحقيقات، وربما إعادتها من جديد؟.
لقد كررت السؤال، لأنني لا أملك إجابة، بل عندي أسئلة أخرى مثل: لماذا لم يفكر الرئيس في خطاب أو مؤتمر صحفي أو «مداخلة» عن نتائج مشاركته في القمة الأفريقية بأثيوبيا؟، خاصة وان الشعب مشغول بمستجدات سد النهضة، وبجهود الرئيس في العمق الأفريقي الذي اهتم به الرئيس منذ توليه؟، ولماذا لم يتحدث ولو بتعليق عابر وحاسم عما يحدث في دار القضاء من حرب أهلية تسئ إلى صورة الدولة وسلطة العدل والعقل فيها؟، ولماذا لم يعلق على أزمة تقارير الفساد التي فتنت الأمة؟، ولماذا يبالغ في حجم التحديات التي ورثها فيزيد عمر الخراب من 15 سنة هي نصف فترة حكم مبارك، إلى 50 سنة مضت، فيهدر (دون أن يقصد طبعاً) عظمة انتصار أكتوبر، حيث قال: «من سنة 67 وإحنا عايشين في أشلاء دولة، وكادت تنهار لولا ستر ربنا»!.
(7)
إذا كان «ستر الرب» هو العامل الحاسم من دون حاكم يقيم العدل، ويتمسك بالحق وينصر الضعفاء، فنحن ندعو الله ليل نهار بالستر والعفو والعافية، ولا حاجة بنا لدولة ولا أشلاء دولة.
..................................................................................................
(طلة)
في حديث له تساءل العلامة عبدالرحمن بن الأَزرق: أَلا رجل يُنْفذُ بيننا؟.. أَي يحكم ويُمْضي أَمرَه فينا.؟!
(لسان العرب)
جمال الجمل
tamahi@hotmail.com