أصبح شيخ المعلقين الكرويين، وأحد العشاق الكبار للكرة المصرية، محمود بكر، هو ثالث شخص أعرفه يقرأ نعيه ورثاءه ويسمع بنفسه الذى قاله عنه الناس بعد موته، رغم أنه لايزال على قيد الحياة.. ومن المؤكد أن هناك كثيرين مروا بمثل هذه التجربة الصادمة والموجعة والحزينة أيضاً..
لكن الاثنين اللذين عرفت حكايتهما كانا الأديب العالمى إرنست هيمنجواى، الذى سقطت طائرة كان فيها ومات كل ركابها إلا هو.. وتخيل الجميع أن هيمنجواى مات مثل الآخرين فتسابقوا فى رثائه أو حتى نقده، وهو حى يقرأ كل ذلك.. كذلك عميد الأدب العربى طه حسين الذى أشيع نبأ وفاته، فطلبت جريدة الأخبار من أنيس منصور أن يكتب ليرثى طه حسين.. وكتب بالفعل.. وقبل الطبع عرف أنيس منصور أن طه حسين لم يمت فلم يخبر أحداً لكنه فقط طلب تعديل عنوان مقاله ليصبح أطال الله عمر الفقيد..
واعترف أنيس منصور فيما بعد بأن طه حسين قرأ مقاله، وأوجع أنيس منصور لوماً وعتاباً وحزناً.. وتكرر الأمر منذ ثلاثة أيام مع محمود بكر.. قيل إنه مات.. فتسابق الجميع للحديث عنه عبر الشاشات والمواقع الإلكترونية والصحف.. كل الكلام كان جميلاً ورائعاً لكن المشكلة أن صاحب الحكاية لم يرحل أو يغب ولايزال بيننا.. المشكلة الأكبر أن محمود بكر وهو على قيد الحياة لا يطلب أو يحلم إلا بربع عشر هذا الاهتمام الذى لاقاه وهو ميت.. فالرجل لايزال يسكن فراش العجز والألم فى الإسكندرية وداخل مستشفى يبذل مسؤولوه وأطباؤه غاية جهدهم فى حدود إمكاناتهم المتوافرة لديهم من أجل محمود بكر، الذى لايزال يتألم ويشكو الجروح والمواجع..
وفى مساء أمس الأول كان الجميل محمود بكر يكلفنى أنا والصديق أحمد شوبير بهذه الرسالة التى يوجهها للرئيس عبدالفتاح السيسى، ووزير الدفاع، الفريق أول صدقى صبحى.. فالرجل كأحد أبناء وضباط الجيش المصرى يناشدهما استكمال علاجه فى أى مستشفى عسكرى فى القاهرة يملك الإمكانات اللازمة لمواجهة أمراضه وآلامه.. والرجل وأسرته لا يطلبون ذلك كأصحاب حق إنما كأصحاب أمل ورجاء وكبرياء أيضاً.. فمحمود بكر كان أحد ضباط القوات المسلحة وأحد أبناء الجيش المصرى.. وهو أيضاً أحد النجوم الكرويين القلائل الذين عرفوا فرحة الفوز بالدورى العام.. وكان ذلك مع الأوليمبى النادى الذى انتمى إليه بكر وعاش معه وداخله معظم سنين حياته لاعبا ومدربا ومسؤولا ورئيسا.. وهو أيضا صاحب مدرسة مميزة فى التعليق الكروى.. وقبل وبعد كل ذلك هو إنسان مصرى طيب وصادق وبسيط وصافى القلب والنوايا..
ولا أظن أن الرئيس السيسى سيتأخر عن الاستجابة لهذا الطلب وسيمد لصاحبه خيوط الأمل والحب.. وأن الفريق أول صدقى صبحى سينقله للقاهرة بطائرة عسكرية اعتزازاً بكل ما قدمه للكرة المصرية.. وأتمنى أن ينقل ويتبنى رسالة محمود بكر كل الذين ملأوا الدنيا حزنا ودموعا وصراخا قبل أيام قليلة حين علموا بوفاة الرجل.. فهو الآن على قيد الحياة أولى بكل هذا الاهتمام والكلام.