واثق من أن التونسى الذى قام أمس الأول بالتعليق على نهائى أمم أفريقيا لكرة اليد بين مصر وتونس لقناة بيين سبورت لم يكن يكره مصر.. وأن كل ما قاله أثناء شوطى المباراة النهائية كان سيقوله أيا كانت الدولة التى تواجه تونس.. عربية أو أفريقية..
فالراجل من حقه أن يحب تونس وأن يشجعها ويتمنى فوزها ببطولة أفريقيا لكرة اليد وكل وأى بطولة أخرى.. ولأن مصر هى التى فازت بالبطولة وليست تونس.. فالرجل أرجع السبب إلى التحكيم وأخطائه المتعمدة ضد تونس.. والاتحاد الأفريقى استعان بحكام من روسيا لنهائى البطولة يريدون مجاملة مصر صاحبة الأرض وفوزها بالبطولة على حساب تونس.. ومع كل هدف لمصر أو ضربة جزاء كان الرجل يعيد عزف نفس الأسطوانة.. ولأن التوانسة لم يشاهدوا هذا النهائى إلا عبر هذه الشاشة ولم يسمعوا إلا هذا المعلق وصراخه الدائم والرافض لهذا الظلم الذى تتعرض له تونس فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة.. ولأن معظم التوانسة تماما مثل معظم المصريين ليسوا خبراء فى كرة اليد أو قادرين على تحليل ما يرونه أمامهم فى الملعب، وهل قرارات التحكيم كانت صائبة أم خاطئة وعادلة أم ظالمة..
فقد أصبح من الطبيعى أن يسيروا وراء هذا المعلق وأن يقتنعوا أيضا بكل ما قاله.. وبات من الطبيعى أيضا أن يتأكد التوانسة من تعرض منتخب بلادهم لكثير من المظالم فى القاهرة.. وأن تكون هناك مواقع وصحف تونسية بدأت تكتب عن الرشوة والفساد ومصر التى اشترت كأس أفريقيا أو سرقته من تونس.. لا أحد هناك سيتذكر أن المصريين لعبوا وتألقوا وأجادوا وفازوا بأيديهم وليس بالتحكيم..
لا أحد سيفكر بهدوء وهو يسترجع أداء المنتخب المصرى منذ بدأت هذه البطولة التى لم يخسر فيها مباراة واحدة وكان واضحا منذ بداية مشاركته أنه دفع الكثير من الوقت والجهد والإصرار ثمنا مقدما لهذه الكأس الأفريقية.. فالتوانسة مثل المصريين والجزائريين والمغاربة وكل العرب بلا استثناء.. لم تعد عقولهم تتصور أنهم من الممكن أن يخسروا دون مؤامرة.. وأنه ممكن هزيمتهم دون فساد أو خراب ذمم وضمائر ودون حاجة لرشوة التحكيم.. ولو تكرر نفس هذا النهائى بمعلق مصرى منفعل وكانت تونس هى التى فازت كنا سنسمع نفس صراخ الظلم والتحيز وأخطاء التحكيم ضد مصر.. فالمعلق والمحلل التليفزيونى.. فى كل اللعبات دائما وكرة القدم أحيانا..
أصبح فى زماننا أخطر حتى من الحكم وبات بإمكانه صنع الفتنة وتفجير قنبلة الكراهية حتى دون أن يقصد ذلك.. فعن طريق الإيحاء والتكرار والإلحاح يمكن لهذا المعلق تحريض الآلاف أو الملايين ضد حكم أو فريق منافس.. وكل ما أتمناه ألا يستسلم الإعلام التونسى لهذه الفتنة وألا يتسرع الإعلام المصرى فى الرد بدافع الكبرياء والانتماء الوطنى.. فتونس لعبت وأجادت.. ومصر أجادت وفازت.. ولا يحتاج البلدان الآن لأى حرب إضافية بسبب كرة اليد، ولديهما من المخاطر والهموم والمخاوف والجروح ما يكفى ويغنى عن افتعال أى أزمة جديدة.