لم يحقق أنور السادات أول انتصار على إسرائيل فى حرب 6 أكتوبر فحسب، بل استطاع خداعها بوسائل وطرق مثيرة. وبعد إلحاق الهزيمة بها وتغيير صورته أمام منتقديه ومطلقى النكات، كانت الخطوة التالية نزع صورة عبدالناصر من جنب صورته. لقد أصبح هو البطل العسكرى أيضاً. ولم تعد المنافسة فى عدد الخطب وحدها: 75 خطاباً لعبدالناصر فى العام، 101 للسادات.
لم يكتف فقط بإزالة الصورة، بل سعى أيضا لإزالة الشخص. وفى مذكراته، كان قاسياً فى الحكم فأدان جيل «الحقد الذى بناه عبدالناصر على كل المستويات حتى على مستوى الأسرة الواحدة، حيث كان يمكن لابن أن يتجسس على أخيه أو أبيه، كما كان يحدث فى الأنظمة الفاشية».
كان العبور حدثاً عسكرياً فى كل المقاييس، رغم الخسائر التى تكبدتها مصر وخسارتها 15 ألف جندى. وفى عام 1976 أعيد انتخاب الرئيس بأكثرية 99٫939 فى المائة ــ مع الرجاء ملاحظة الدقة ــ لكن العام التالى نزل المصريون إلى شوارع الإسكندرية، ثم القاهرة، يحرقون ويحطمون مطالبين بإعادة الدعم إلى الخبز. وشعر بخيبة كبرى من القاهرة، وأخذ يمضى معظم الوقت خارجها، خصوصاً فى سيناء التى خدم فيها ضابطاً شاباً.
يقول روبير سوليه: «كان هاجس واحد يستبد بالسادات هو استرجاع سيناء». وكانت علاقته بأمريكا تزداد تحسناً، وعلاقته بالسوفييت تزداد سوءاً، واتهمهم بأنهم وراء استفزازات القذافى لمصر. وراح يخطط لخطوة لم تخطر على بال عربى من قبل: زيارة القدس، ومصافحة أعدائه وإلقاء كلمة فى الكنيست. ونزل رئيس مصر من الطائرة ومعه منديل يمسح به عرقه المتصبب على جبينه بغزارة كأنه نبع.
علقت صحيفة بريطانية على الزيارة: «الرجل الذى يقوم بمجازفة مثل هذه مرشح ليتلقى، فى آن واحد، جائزة نوبل للسلام ورصاصة يطلقها عليه إرهابى». بينما كتبت جيهان السادات: «كنت واثقة بأن زوجى لن يعود من القدس حياً». وقد كنت يومها أعمل فى مجلة «المستقبل» فى باريس. وحضرنا المشاهد ونحن لا نصدق بعد. وعندما اجتمعنا لوضع عنوان للغلاف، اقترحت كلمة واحدة: «العابر». وهى مزدوجة المعنى، من كلمة عبور، ويمكن أن تعنى أيضاً عدم الأهمية.
تحققت مخاوف جيهان السادات عندما اغتاله حلفاؤه. وكان أول ما فعله محمد مرسى بعد فوزه بالرئاسة إطلاق القاتل الذى قرر خوض معركة الرئاسة.. أو شىء من هذا.
نقلاً عن الشرق الأوسط اللندنية