وهم تمكين الشباب فى مصر

هاني السلاموني السبت 30-01-2016 10:04

مصر دولة بها 90 مليون نسمة منهم 20 مليون نسمة (7.23%) تتراوح اعمارهم من 19 سنة إلى 29 سنة ويمثلون 53% من نسبة القوة العاملة في مصر ويعانى 29% من الشباب من البطالة طبقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والأحصاء، بينما تبلغ نسبة من هم أكبر من 65 عاماً حوالى 4.4% من إجمالى المجتمع المصرى حيث يملكون حوالى 70% من الثروة وتقريباً 99% من السلطة، وهذه هي المعضلة الكبري في مصر أقلية (من ناحية السن) من المجتمع يسيطرون على الأعلام وعلى سلطات الدولة التنفيذية بينما أكثرية من الشباب يعانون من البطالة والفقر والأهم الحرمان من حق التعبير والأبداع والأبتكار، لا أريد من القارئ الكريم ان يتصور أننى بهذا المقال مع أو ضد ما حدث من شابين يوم 25 يناير وتوزيعهم الواقى الذكرى على أنه بالون على الشرطة ولا أريد أن أدخل في جدال حول بعض الأعلاميين والشخصيات العامة الذين ينتهكون يومياً الأداب العامة وينتهكون خصوصية منصوص عليها في الدستور ولكن أريد أن أبرز جهود المجتمع والدولة في تمكين الشباب وهو مصطلح نسمعه وسمعناه من مسئولين سابقين وحاليين في مناسبات عديدة وعلى مدار سنوات طويلة جداً، ومصطلح تمكين الشباب (كما عرفته الباحثة داليا بهاء محمد في كتاب الشباب والجمعيات الشبابية المشاركة والدور والتوجهات) يقصد به عملية تحرير شاملة ومستدامة لإرادة الشباب وقدراتهم وفرصهم ومشاركتهم الفاعلة في صناعة واقع بديل لهم ولمجتمعاتهم، وهو تحرير تقوده بوصلة حقوق الشباب، ويدفعه إلى الأمام الالتزام المجتمعي والسياسي والمدني والتشريعي بغرض صيانة تلك الحقوق وتهيئة بنية تحتية مناسبة لتعميقها وينطلق من خلالها إعادة نظر عميقة في توزيع مقومات القوة الاقتصادية والسياسية. أي أن تمكين الشباب يعني «الـتحكم في شروط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية» والتي من شأنها أن تساهم فــي مضاعفة قدرات الشباب على تحقيـق ذاتهم. كمـــا يشــمل التمكين عملية توعيـة الشـباب بهذه الظـروف وبطبيعة حقـوقهم وتنمية الشعور بالملكية والقيادة للأعمال التنموية التي تمـس الشباب والمجتمع والمستقبل، وبما يجعلها أكثر استجابة وتلائما مع احتياجات ومصالح الشباب.

إن واقع الشباب في مصر بائس إلى حد بعيد جداً فالشباب إما تم تدجينه بالمعنى الحرفى للكلمة لخدمة أصحاب الثروة والسلطة أو مهمش ومقيد بإطار يحدده لهم أجيال قديمة الفكر تمتاز بالتسلط والفساد ورافضة لفكرة تعدد الأراء ويهمها فقط في المقام الأول وضع الشباب وأفكارهم تحت السيطرة الجبرية.
إن المرض الحقيقى الذي يسرى في أوصال المجتمع المصرى هو اعتبار أن الشباب عدو للأستقرار ولكن الحقيقة أن
تأخر مستوى تطور فكر ومؤسسات الدولة وتدهور أليات صنع القرار وضعف قدرتها على أكتشاف قدرات الشباب وأعتبارها لوغاريتمات يصعب حلها وبالتالى فإن الأستفادة من طاقة الشباب في التنمية والتطوير والإبتكار تظل محدودة ومرتبطة بمدى قدرة أصحاب السلطة والثروة على مواكبة التطور الثقافى والتكنولوجى الذي وصل إليه الشباب. ومن الملفت أن الأنشطة الترفيهية والرياضية وأنشطة خدمة المجتمع (مثل حملات نظافة أو توصيل مساعدات للفقراء) التي يمارسها الشباب تظل مقبولة ومحببة ويتم تشجيعها إعلامياً ودعمها مالياً طالما هي بعيدة عن منطقة الصراع الأساسي (السلطة والثروة).
وفى الوقت الذي تمتلئ فيه قنوات الإعلام بمختلف أنواعها بمواد عن دعم الشباب لإقامة مشروعات متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة لخلق وظائف للشباب وإطلاق روح الأبتكار تظل قنوات التمويل المالى المتاحة لمساعدة الشباب على بدء مشروعاتهم محدودة أو مسدودة في غالب الحال ويكبلها الكثير من الضمانات والمتطلبات وفى النهاية قد لا تكون مناسبة لأغلب الشباب وبالتالى يتخلى عن حلمه في إنشاء مشروعه الخاص وينضم إلى طابور طويل من الشباب العاجز عن كسب الرزق والعمل.
إن إطلاق الرئيس على عام 2016 عام الشباب ينبغى أن يتبعه مجموعة من الإجراءات والمشروعات اللازمة لتحقيق التمكين لشباب مصر على كافة المستويات مثل:
- دعم الشباب من ذوي المهارات من أجل تحقيق أحلامهم ومبادرتهم والتفكير بشكل نقدي والتعبير بحرية عن ذاتهم من خلال توفير برامج تدريبية وتوعوية وتعليمية متطورة تساعدهم على تحقيق أهدافهم.
- ربط الشباب ببرامج تنموية حقيقية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تمكن الشباب من العمل الأبداعى الخلاق وتساعدهم على كسب الرزق والعمل.
- مراعاة حقوق الشباب لينشئوا أصحاء وآمنين بفضل حصولهم على نصيبٍ عادلٍ من الاستثمارات الاجتماعية والثقافية .
- وضع أليات لتشجيع الشباب على القيادة والمشاركة في القرارات التي تؤثر على مستقبلهم، بما في ذلك تلك التي تتعلق بخطط التنمية المستدامة في مجتمعاتهم.

إن ثورة 25 يناير لم تكن حراكاً شبابياً للتخلص من رئيس ونظام حاكم فاسد فقط وإنما تعدى ذلك إلى المطالبة لأحداث تغيير في البنية السياسية والأجتماعية الأقتصادية والثقافية للمجتمع من الجذور كما أن فتح مجالات الأبداع والأبتكار للشباب يعنى بداية صحيحة للتنمية المستدامة في مصر ويجعل تمكين الشباب حقيقة ملموسة وليست سراباً يحسبه الشباب ماء .