فى مجلس الثورة شكا أنور السادات من توتر العلاقة بينه وبين اللواء محمد نجيب، الذى اشتبه بطموحات للحلول مكانه. وفى هذا الوقت أيضاً، أصدرت له صحيفة «الجمهورية» التى راح يكتب فيها، مقالاً افتتاحياً كل يوم. وادعى الروائى يوسف إدريس بأنه هو من كان يكتب، والسادات يُوقّع. غير أن رغبة أنور فى الكتابة الأدبية والسياسية كانت معروفة لدى الجميع. وتنقّل أيضاً فى مناصب غير ذات صلاحية مثل رئاسة مجلس الشعب، وبعكس عبدالناصر المبالغ فى الجدية، كان هو شديد المرح، ولذا توطدت أواصر الصداقة بينه وبين المشير عبدالحكيم عامر.
ولطالما غنّى لرفاقه فى حفلات السمر. وبقى طوال هذه الفترة قريباً من عبدالناصر. فلما أعلن الرئيس المصرى استقالته بعد هزيمة 1967، تقدمت جيهان فرقة من الممرضات فى تظاهرة تطلب من «الريّس» العودة عن الاستقالة، بينما أصيب السادات بأزمة قلبية حادة. لم يكن أحد يحسب أن أنور الساداتى، الذى حوَّل اسمه إلى أنور السادات، سوف يصبح هو رئيس مصر عندما يتوفى عبدالناصر عام 1970. كان هو فى الواقع المرشح الوحيد فى الاستفتاء، الذى أجرى فى 15 أكتوبر من عام 1970، وبدل أن يفوز بأكثرية 99.999 فى المائة اكتفى برقم متواضع هو 90.04 فى المائة.
غداة وفاة عبدالناصر سأل صحفى هنرى كيسنجر عن رأيه فى السادات، فأجاب بأنه لن يبقى فى سدّة الرئاسة أكثر من أسابيع قليلة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ليقول لجولدا مائير، إن السادات «أحمق ومهرّج وبهلول»، لكنه بعد فترة سوف يُعلن ندمه على تلك الأحكام. وفى الداخل لعب السادات دور الساذج بمهارة تمثيلية مألوفة. وبذلك، أخفى نيته فى تصفية جميع مراكز القوى من حوله. ووضع كبار الناصريين فى السجون، وأحكم قبضته على الجيش، ووزّع الرجال الذين يثق بهم على المناصب الحساسة.
اضطربت القاهرة فيما كان أنور يرسل رفاقه السابقين إلى السجن ويتهمهم بالاشتراك فى جلسات لتحضير الأرواح. ثم سوف يقف خطيباً ليستخدم كلمة غير مألوفة من قبل: «حَفْرُمهم» التى تحوّلت تلقائياً إلى موضع نكات لفترة طويلة. بعدما انتهى من تصفية أصدقاء الاتحاد السوفيتى فى الحكم، انصرف عام 1971 إلى إقامة معاهدة صداقة وتحالف مع موسكو. وكان قد أسرَّ خلال جنازة عبدالناصر فى أذن الممثل الرسمى للولايات المتحدة إليوت ريتشاردسون بالقول: «جرّبونى تجدوا رجلاً آخر». وبدأ منذ ذلك الوقت يُعد لحرب أكتوبر.
وتروى «جيهان» فى مذكراتها أنه كان يحضر كل مساء أفلاماً عن الحرب العالمية بانتباه شديد. وراح يعلن يوماً بعد آخر أن سنة الحسم قد حانت. وكالعادة تحرك مطلقو النكات عندما مضت السنة من دون ظهور أى حسم. وفى 6 يوليو 1972 فجّر أولى القنابل الكبرى عندما أبلغ السفير السوفيتى بأنه قرر الاستغناء عن خدمات الخبراء السوفيت الـ15000 الموجودين فى مصر، وإعادتهم فوراً إلى بلدهم.
إلى اللقاء..
نقلاً عن الشرق الأوسط