فى مشاريع العلاج النقابية، التى يستفيد منها عشرات الآلاف من الأُسر، كان خصم الكشف الطبى يصل إلى ٥٠٪ بأحد المستشفيات الكبرى، مرَّة واحدة وبقدرة قادر أصبح لا يصل إلى ١٠٪، تساءلت، وجدت أن إحدى الشركات الخليجية اشترت المستشفى ضمن ما اشترت من مستشفيات أخرى، حاولت الاستيضاح أكثر، وجدت أن العملية أكبر من ذلك بكثير.
العملية ببساطة أصبحت احتكاراً، وإلا ماذا يعنى تعريف الاحتكار إذا لم يكن ذلك الذى جرى للنظام الصحى فى مصر الآن، وبفعل شركات أجنبية هذه المرَّة، اكتشفت أن التحذيرات صدرت مبكراً من متخصصين فى هذا الشأن، إلا أن أحداً لم يُعرها أى اهتمام، قد نحاول تدارك الأمر يوماً ما، ولكن بعد فوات الأوان، فتلجأ الشركة محل النزاع إلى المحاكم الدولية، كغيرها الكثير، وتحصل على أحكام بتعويضات لا طائل لنا بها، كما حدث كثيراً أيضاً.
الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، أكثر من تحدث بصوت عالٍ فى هذه القضية، حاولت إيصال رسالتها، قالت إن شركة خليجية، حددتها بالاسم، تسعى للسيطرة على النظام الصحى، واصفة الأمر بالمرعب، قالت إن هذه الشركة تستولى على المستشفيات الخاصة الأكبر فى مصر بالتدريج، فى الوقت الذى يسعى فيه مشروع خصخصة التأمين الصحى الجديد لفتح المستشفيات العامة للقطاع الطبى الخاص فى مصر، قالت إن الشركة المذكورة متعددة الجنسيات، وإن قانون إنشائها يمنع الإعلان عن المساهمين فيها، أفراداً كانوا أو حكومات.
هذه الشركة اشترت سلسلتى معامل البرج والمختبر، ومستشفيى كليوباترا والقاهرة التخصصى، وقد بذلت جهوداً لشراء النيل بدراوى والنخيل، وضغوطاً لشراء النزهة الدولى، وعلى حد تعبير الدكتورة منى مينا فإننا أمام وضع يحيل كل المنظومة الصحية فى بلادنا لمصير مجهول.
أعتقد أن الاحتكار، ورفع الأسعار، ليس هما فقط القضية الأساسية هنا، نحن أمام قضايا ربما أكثر أهمية، نحن أمام شركة أجنبية، وأمام مساهمين مجهولى الهوية، إلا أن المؤكد أننا أمام وضع غير طبيعى، وبالتالى غير مقبول، ورغم ذلك فلا المناوئون لعمليات الاحتكار سمعنا أصواتهم، ولا الأجهزة السيادية اعترضت، ولا وزارة الصحة كان لها موقف.
الغموض واضح، كما كل الصفقات التى يكثر حولها الكلام، والصمت الرسمى سيد الموقف، كما كل القضايا الجماهيرية، وصحة المواطن هى الهدف هذه المرَّة، لم يشفع للمنظومة الصحية أنها الأكثر تدهوراً، فكان يجب العمل على النهوض بها، بدلاً من إرباكها إلى هذا الحد، كان من الممكن الاستعانة بمستثمرين أجانب، من خلال أسهم وشراكات، بدلاً من عمليات البيع، خاصة فى مثل ذلك القطاع الأهم على المستوى الجماهيرى.
فندق المريديان الشهير يجب أن يظل نموذجاً عالقاً فى الأذهان طوال الوقت، بعد أن اشتراه أحد المستثمرين الخليجيين قبل عشر سنوات، وقام بإغلاقه حتى الآن بحجة تجديده، رغم حاجة الدولة إليه، سواء ظل فندقاً أو غير ذلك، نظراً لموقعه المتميز، ماذا لو تكررت نفس الحالة؟ لو تم إغلاق هذا المستشفى أو ذاك بذرائع واهية، فى الوقت الذى تحتاج العاصمة فيه إلى أضعاف ما بها من مستشفيات؟ ماذا لو تم تغيير نشاط أحدها؟ ماذا لو اكتشفنا أن أصحاب رأس المال من غير المصرح لهم بالعمل فى مصر؟
دعونا فقط نتعامل مع القضية من زاوية واحدة، هى الاحتكار، كم من قضايا الاحتكار نظرتها المحاكم المصرية لأطراف مصرية أو لأشخاص مصريين؟ لماذا لا يتم تطبيق القانون على المستثمر الأجنبى؟ لماذا كان المواطن هو المستهدف بالتنكيل والإفلاس؟ ما بالنا إذا كنّا نتحدث عن قضية ترتبط مباشرة بالمواطن، بحياته وصحته، ترتبط مباشرة بقضية أمن قومى بالدرجة الأولى، ترتبط باستقرار المجتمع ورخائه؟
قد تكون لهذه الدولة وشركاتها، لأسباب ما، أولوية فى المعاملات الاستثمارية، وقد تكون لهم أفضلية عن غيرهم من الأجانب وربما المصريين أيضاً، إلا أن الأمر حينما يتعلق باحتكار، وبمستثمرين وهميين، وبمنظومة الصحة، فلا يجب أبداً أن تكون هناك أولويات أو أفضليات، يجب على الدولة فوراً أن تتدخل، بل يجب محاسبة من سمحوا بذلك.