إنما الأمم الأخلاق

درية شرف الدين الثلاثاء 26-01-2016 21:10

أعلى خشبة المسرح القومى بالقاهرة بيت للشعر لأمير الشعراء أحمد شوقى كثيرًا ما أستدعيه لذاكرتى كلما اجتاحتنا حادثة لا أخلاقيه، يقول: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا. والمعنى إن ذهبت الأخلاق انهارت الأمم.

وأعود إلى تلك الحادثة التى استدعت هذا البيت والتى لا أتصور أنها تمر من أمامنا هكذا مرور الكرام دون أن تضر بنا على رؤوسنا حتى نفيق، فمنذ عدة أيام وبالتحديد يوم السابع عشر من يناير الحالى وفى مدرسة بمدينة طلخا بمحافظة الدقهلية حاولت مُدرسة منتدبة تشرف على لجنة الامتحانات للصف الثانى الثانوى بنين أن توقف هرجًا ومرجًا يقوم به الطلاب الممتحنون بقصد الغش، لكنها فوجئت بمجموعة لا يقل عددها عن خمسة عشر طالبا يحاولون اقتحام باب اللجنة لمساندة زملائهم، فحاولت منعهم؛ فما كان منهم إلا أن التفوا حولها مكونين ــ كما قالت ــ شبكة محكمة وقاموا جميعًا بالتحرش الجنسى بها وهتك عرضها، صرخت واستغاثت ولا مجيب، ولإسكاتها تجمّع هؤلاء الخمسة عشر من جديد وأوسعوها ضربًا وركلًا وأحدثوا بها إصابات وكدمات متفرقة.

هذا ما وصل إليه الحال فى بعض من مدارسنا وفى مكان أقرب إلى القرية منه إلى المدينة، انهيار أخلاقى مخزٍ عناصره مراهقون فاسدون لا يعرفون شيئًا من العلم أو من التربية، وللأسف فإن الأكثر فسادًا والذين كشفت عنهم التطورات اللاحقة كانوا بعضًا من أهالى هؤلاء التلاميذ، فبعد القبض على بعضهم وهم ثلاثة فقط استطاعت المدرّسة التعرف عليهم، تم تحرير محضرين ضدهم، المحضر الأول بتهمة التحرش والثانى بتهمة الاعتداء بالضرب، ووسط تلك المأساة والحالة النفسية المؤلمة التى أصابت تلك الشابة، قامت سيدات من أهالى هؤلاء المراهقين وغالبًا من أمهاتهم بالاتصال بها لتهديدها بالمزيد إذا ما رفضت التنازل عن المحاضر التى تحررت ضد أبنائهم الذين فشلوا فى تربيتهم، ثم قام رجال من نفس العائلات بالتجمهر حول سكن المغتربات الذى تقيم به هذه المُدرسة المغتربة وقاموا بسبّها وتهديدها بالانتقام منها إن لم تتراجع وتسحب المحاضر، ولم يتورع ولىُ أمر متحرش منهم وهو بالمناسبة مدرس علم نفس، عن اتهامها بأنها تمثل دور الضحية وهى فى الحقيقة الجلاّد. قال ذلك هو، ولأنه يعتقد أنه يفهم فى علم النفس فقد أفتى بأنها لم تدرس ما درسه سيادته وإلا لكانت قد تعاملت مع الطلبة بشكل أفضل وحاولت احتواءهم. تصوروا!!.

ومن 17 يناير حتى الآن ماذا حدث فى هذه الواقعة؟ لا شىء، عدة جرائم مجتمعة: هتك عرض، وتهديد، واعتداء على موظف عام أثناء تأدية وظيفته، وفوق ذلك وأكثر منه فداحة اغتيال معنوى ونفسى لفتاة تسعى وراء لقمة العيش، وكانت تحسب أنها آمنة فى مدرستها وفى بلدها.

أين وزارة التعليم؟ لا حِس، أين السيد وزير التعليم؟ لا خبر؟ أين نخوة الناس وشهامتهم؟ أين القانون وأين العقاب؟ لا مجيب. تبلد الجميع وتوحش التحرش حتى وصل إلى تلاميذ المدارس وإلى مدرساتهم. إذن لا عجب أن نحتل المركز الأول فى وقائع التحرش على مستوى العالم. يا خسارتنا.