أحمد الفيتورى يكتب: الربيعُ العربى سَنةٌ خامسة!

اخبار الإثنين 25-01-2016 21:40

المصائبُ هي ظاهرُ ما بعد الربيع العربى، هذا الربيعُ ما غدا الربيعَ الأسودَ في إجماعٍ لا مثيل له كما كان الربيعُ العربى الربيعَ الأبهى عند بزوغه، وليبيا مثلا كانت في البدء نوارة الربيع الزاهى، والآن وهنا أمست «حفرة الدم» للربيع العربى الأسود.

هذا ما يبدو كما إنشاء مشوب بالعواطف هو ناتج الحقائق الدامغة للحاصل ما بعد الربيع العربى، الربيع العربى وُضعَ في سلةٍ واحدة دون تمحيص للتباينات الصارخة فيما بين أطرافه، أو الخرس تجاه التداخلات والمشتركات بين أطرافه، خاصة أن الربيع العربى في منتهاه عمَ العالم كما تسونامى ضرب أطراف الدنيا وانغرس في قلب الأمم. وما يحدثُ حتى الساعة على المستويين الإقليمى والدولى من أفعال وردود أفعال هي من نتاج هذا الربيع ما لم نعرف خواتمه بل ولا حتى تمكنا مما يفعله من مُتغيرات في التو والساعة، وهذا الربيع كما كان مفاجأةً صارخة في وجه كل العالم بات الآن ما يحدثه هو الصدمة وما بعيد الاحتمال، وما نرصدهُ من توابع له هو كما سطح البركان، حيث الكل قادر على رصد الدمار، لكن ما يشكلهُ من تضاريس وما يحدثُ في أعماقه هو ما في حكم وضع أو تصور قانون لفعل ورد فعل البشر، والبشر لم يتمكنوا بعد من قوننةِ أفعالهم. العلاقة الجدلية المتطرفة بين أقدم ما أنتجت البشرية الدين والعنف، ما باتا يُشكلان ضلعى المثلث ما ضلعهُ الثالث والأساس الصراع السياسى، فالعالم في مرحلة دين دون ثقافة وجهل مقدس أو كما قيل. الحقيقةُ الأسمى الآن هي وسائل الاتصال والميديا، ما يُشكلان عالمنا الذي هو في لحظة انهيار قديمة وتكون جديدة، ما بزغ منه يبدو كما جبل الثلج. الربيعُ العربى جاء متأخرا كثيرا عن موعده في الإقليم، ولكن دوليا هو حصاد لانهيار عالم قديم انتهت فيه حرب باردة استغرقت عقودًا، وأنتجت رواسخ لم تنته بعد.

دولنةُ الربيعِ العربى، المدخل الحالة الليبية:

لم تمر أسابيع من عام 2011م إلا والثورات اندلعت في العديد من الدول العربية، لكن لم تمر أيام إلا والنظام «القذافى» في ليبيا قد استخدم الكتائب المسلحة في قمع التظاهرات السلمية 17 فبراير 2011م، بعد أن خسر في غضون أيام أربعة السيطرة على ما يقارب نصف البلاد بقيادة المدينة الثانية «بنغازى» التي فيها انبثق عاجلا (المجلس الانتقالى الوطنى، 22 مارس 2011م). في الأثناء كان هناك إجماعٌ دولى بالتدخل في ليبيا لحماية المدنيين، وبهذا دولت الثورة الليبية في الشهر الأول للثورة، أي في مارس 2011م، لقد كانت المسألةُ الليبية المدخل الدولى للتدخل في الربيع العربى وبهذا تم تدويلُ هذا الربيع وعبر قراراتٍ لمجلس الأمن الذي تتالت قراراته في هذا الخصوص منذ القرار (1970) وحتى قرارات تصدر الساعة.

وهكذا ساهم «القذافى» منذُ اللحظة الأولى في تحويل الربيع العربى من ثورة سلمية إلى ثورات مُسلحة في بعض البلدان، بل واشتعلت حروباً أهلية لم تنطفئ نارها بعد مرور سنوات خمس.

سنوات خمس ونحن نلوكُ «علكة الدم» الربيع العربى وتأخذنا مستجداته وحقائقه اليومية الدامية عن معطياته الأساس، ومن تلاطم موجاته تتشكل ردود أفعالنا دون أي بحثٍ جاد أو فعل فاعل. ولهذا نحتاج الآن وهنا أن نستعيد عقولنا من شباك الأحداث المتراكمة والنتائج المُتداخلة للربيع العربى، وأن نقف عن هذه الهرولة واللهاث وراء مُستجداته، وبالتالى أن ندرس الظاهرة الثورية التي تحدث للمرة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط الحديث أي خروج شعوب المنطقة عن عقالها، هذا الخروج الذي ما هو ظاهر منه مقدمات لنتائج لم تفصح بعد عن مكنونها رغم ما يلطخ المشهد من دماء، وهى أيضا قد تكون من ملامح الموجة الثانية في ربيعٍ يعمُ العالم ويُعيدُ تشكيله.

* كاتب ومحلل سياسى ورئيس تحرير جريدة ميادين