شعارات ثورية

عباس الطرابيلي الإثنين 25-01-2016 21:07

الحكومات نشأت لكى تنظم حياة الناس، وتحميهم، وتوفر لهم الأساسيات.. ولكن الحكومات - حتى التى خرجت من رحم الثورات - لا تستطيع أن تعمل وحدها، أو تحقق الأحلام منفردة، بل لابد من «عمل الجميع»، لأن الحكومات تنفق من عائد عمل الجميع، ولو على شكل الضرائب والجمارك والرسوم.. ورواتب العاملين فى مقدمة ما تقدمه الحكومة.. وبالطبع مع الخدمات من صحة وتعليم ومياه وإسكان.. وإذا كانت الخزانة خاوية فلن تستطيع أعظم الحكومات الوفاء بأى منها.. إلا إذا لجأت إلى الخطأ.. وأكبر هذه الأخطاء: طبع البنكنوت دون رصيد.. وهذا ما أخشاه.. وما قد تلجأ إليه الحكومة المصرية لمواجهة مطالب الناس.. وفى مقدمتها الرواتب.. والغريب أننا نطالب الآن بزيادة الرواتب.. ونلح على العلاوات.. ونرغم الدولة على الوفاء.. حتى بالحوافز والبدلات.

وأعلم أن هذا الكلام لن يرضى أحداً.. بل سوف يُغضب الكل.. لأن لسان حال كل هؤلاء يقولها صريحة: لم نقم بالثورات لكى نعانى.. أو لكى يحرمونا من تحسين أوضاعنا.. ولكن المشكلة هى أن الكل يتعجل هذه المطالب.. بل يطلب المزيد منها.. ولكن - وللمرة الثانية - من أين تدبر الدولة كل ذلك؟!

هنا أتذكر الأمثال الشعبية وفى مقدمتها: «القفة أم ودنتين.. يشيلها اتنين».. يد الدولة.. ويد الناس أنفسهم.. والمثل الآخر: «من دقنه.. افتل له»، يعنى من شعر ذقنه انسج له ما يلبس!! وأتذكر هنا ما فعلته الثورة الفرنسية - وهى أم الثورات - عندما نص دستور الثورة على العمل لمدة 12 ساعة يومياً.. يعنى ضعف ما يعمل الناس الآن.. إذ كان «على الشعب نفسه» أن يرهق نفسه، ويعمل، ويجد، ويعرق لكى يساهم فى إعادة بناء الدولة نفسها.. أقول ذلك رغم أن كل قوانين العمل - فى العالم - تنص الآن على العمل 42 ساعة أسبوعياً، أى بمتوسط 6 ساعات فى اليوم.

وهل ننسى أن أول شعار انطلق مع ثورة 23 يوليو 1952 كان يحض على العمل والإنتاج، وهو الشعار الذى أطلقه - ومن البداية - الرئيس محمد نجيب.. وحولته العظيمة ليلى مراد إلى أغنية لتحث الكل على العمل والإنتاج.. هل نسينا هذا الشعار، وهو أول شعارات ثورة 23 يوليو الذى يقول: «النظام والاتحاد والعمل».

وكم كنت أتمنى أن يقتنع الناس بأهمية العمل.. وليكن هذا شعارنا مع الشعار العظيم: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، فالشعب يطلب الطعام.. والطعام هنا يعنى «فرصة العمل»، والحرية، لأن الإنسان لا يمكن أن يعمل وهو مجبر على العمل، بل يعمل ويحيا ويستمتع بالحرية وفى مقدمتها حرية الاختيار.. ثم مبدأ عدالة اجتماعية، إذ لا يمكن لأى إنسان أن يعمل - ولا يحصل على حقه - بينما هناك من يحصل على كل شىء.. وربما دون أن يعمل.

ولكن هل يتحقق هذا الشعار دون عمل جاد وحقيقى.. ومنتج؟ الحقيقة الأساسية هى حق العمل للإنسان.. ولكنها أيضاً حق الإنتاج الذى تسعى إليه الدولة، لأنه من هذا الإنتاج وبحسن الإدارة.. تحصل الدولة على العائدات.. حتى لا نقول للكل «من أين؟».

إن الثورات هدفها الأساسى هو تحسين أحوال الناس.. والشعب الذى لا يعمل لن تحقق له الدولة شيئاً.. فالدولة توفر للناس ما تريده من ناتج عملهم.. الدولة تنظم حياة الناس.. ولاحظوا هنا ارتفاع معدل القروض الداخلية والخارجية.. وأن أى مساعدات من الأشقاء والأصدقاء لن تكفى.. إلا لكى نشفى.. ونعود إلى المستوى اللائق من العمل والإنتاج.. وهذا ما تحقق فى المعجزة الصينية التى جعلت من الصين أكبر عملاق منتج فى العالم كله.. حتى من أمريكا نفسها.

ونتذكر هنا المرارة التى تحدث بها الرئيس السيسى منذ لحظات عن موقف البرلمان من قانون الخدمة المدنية.. وما لم يقله الرئيس أنه وحده لن يستطيع أن يحقق للناس أحلامها.. ولكن «الإيد قصيرة والعين بصيرة»، إذ من أين سيأتى الرئيس بالأموال ليحقق للناس ما حلموا به فى الثورتين؟.. حقاً معضلة صعبة.. ولكنها ضرورية ضرورة سياسة الطبيب الجراح الذى يستأصل الجزء المصاب ليحيا كل الجسد.