فاروق فى المنفى: طلّق ناريمان وبدأت فترة الضياع
من الإسكندرية اتجهت المحروسة تحمل فاروق وابنه ولى العهد أحمد فؤاد وزوجته ناريمان إلى نابولى، وقد فوجئ عند وصوله باستقبال فاتر من إيطاليا، إذ أرسلوا إليه أحد موظفى الخارجية، وكان يتصور أنه سيتم استقباله استقبال الملوك، ليس لشخصه وإنما لشخص أحمد فؤاد المفروض أنه ملك مصر، لكن كان الواضح أن إيطاليا قرأت مستقبل فاروق وابنه مبكرا.
ومن نابولى اتجه فاروق إلى جزيرة كابرى، التى كان قد أمضى فيها مع ناريمان شهر العسل. وسجل نفسه فى دفاتر الفندق باسم صاحب الفخامة الملكية الأمير فاروق فؤاد أمير مصر. لكن الفارق كان كبيرا بين كابرى أيام شهر العسل عندما كان ملكا، وكابرى التى أصبحت منفى بعد أن أصبح ملكا سابقا. ولم يتحمل فاروق البقاء طويلا فى كابرى، فتركها للإقامة فى قصر يضم 30 حجرة يقع على جبال الألب.
كانت ناريمان، وهى من مواليد 31 أكتوبر 1933، لم تكمل فى ذلك الوقت التاسعة عشرة، بينما كان فاروق فى الثالثة والثلاثين عندما تم إرغامه على التنازل. وسواء فاروق أو ناريمان فلم يكن لأى منهما درجة من الثقافة يمكن أن تعوض الطرف الآخر فى الحياة الجديدة التى أصبحا يعيشانها. ففاروق كون ثقافته بالتجربة من دهاليز الحكم والحاشية، وناريمان، وكانت فتاة أبويها الوحيدة، لم تكمل تعليمها الثانوى ولم يهمها ذلك فقد جعلها جمالها مطلوبة للزواج من أكثر من شاب، آخرهم الشاب محمد زكى هاشم، الذى أصبح فيما بعد من كبار المحامين ووزيرا للسياحة فى وزارة الدكتور عزيز صدقى عام 1972. وقد تم ترتيب زواجه من ناريمان قبل أن يشاهد فاروق ناريمان فى محل نجيب الجواهرجى بشارع عدلى، عندما ذهبت تختار شبكة زكى هاشم، فجاء قرار فاروق باختيارها بما يشبه أمرا ملكيا.
وبالطبع كانت ناريمان سعيدة بهذا الزواج الذى جعلها فجأة ملكة مصر، بل ومحسودة عليه. وكانت هذه ثانى سيدة من الشعب تصبح ملكة على مصر بعد الملكة فريدة، والاثنتان تزوجهما فاروق الذى كان بدوره أول ملك فى أسرة محمد على من أم مصرية (نازلى). وكانت فرحة فاروق لا تُوصف عندما أنجبت له ناريمان ولى العهد الذى انتظره طويلا. ولكن ها هى الأحداث تجعل فاروق يشعر بأن ناريمان كانت شؤماً عليه. صحيح أنها أنجبت الولد ولكن فى المقابل ضاع الملك، بضم الميم!.
وقيل إن فاروق أقام علاقات نسائية كانت حديث الصحف الإيطالية، ولكن المؤكد أن حياة فاروق وناريمان أصبحت كلها مشاكل. وما هى إلا ثلاثة أشهر حتى انفصل فاروق عن ناريمان التى اشتكت من سوء معاملة فاروق وعدم قدرتها على تحمل حياة المنفى. وطالبت ناريمان فاروق بالعودة إلى مصر ومعها الطفل الذى لم يكمل عامه الأول، ولكن فاروق خيرها بين العودة لمصر دون أن ترى ابنها أو تبقى فى إيطاليا راضية بمعاملة فاروق.
وعادت ناريمان إلى مصر، ومثل أى زوجة عادية أقامت ناريمان دعوى قضائية أمام محكمة مصر الجديدة الشرعية قالت فيها إن الملك السابق لم يحسن معاملتها ومعاشرتها وإنما قسا عليها بما لا تستطيع معه دوام المعاشرة. وحكمت لها المحكمة فى فبراير 1954 بالطلاق بعد أن تنازلت عن نفقتها الشهرية. وبذلك انتهى زواجها من الملك الذى لم يدم سوى 45 شهرا.
ولم تسعد ناريمان فى حياتها بعد ذلك، فقد تزوجت من الدكتور أدهم النقيب فى نفس سنة طلاقها رسميا من فاروق، لكن حياتهما كانت مليئة بالمشاكل وانتهت بالطلاق عام 64. وفى عام 67 تزوجت للمرة الثالثة من اللواء طبيب إسماعيل فهمى وعاشت فى هدوء دون أن تنجب بسبب خوف الأطباء. وبالفعل تعرضت ناريمان لمتاعب صحية انتهت بوفاتها فى فبراير 69 عن 36 سنة فقط.
أما فاروق فقد قام كأب بإدخال ابنه أحمد فؤاد كلية أيتون البريطانية، وأدخل بناته الثلاث فى مدرسة سويسرية داخلية تعلمن فيها الفرنسية، وكانت أعمارهن ١٠ و١٢ و١٣ سنة، ومن خلال صداقته لأمير موناكو حصل منه على جنسية إمارته لأحمد فؤاد وإخوته. أما فريال، الابنة الكبرى، ففى سن ٢٣ سنة أرادت الزواج من شاب كان خبيرا فى فن الديكور، وقد تعرفت عليه عندما عهد إليه فاروق بديكور سكنه الصيفى فى نابولى، ولكن فاروق رفض. ولم تتزوج الأميرة فوزية، الابنة الوسطى، وعملت فترة مترجمة فى مجال السياحة. أما فادية، الابنة الصغرى، فقد أحبت فى بداية عام 65 شابا مسيحيا سويسريا من أصل روسى أرادت زواجه ولكن فاروق رفض، ومات فى 17 مارس قبل إقناع ابنته بعدم إتمام هذا الزواج، إلا أن فادية تزوجته بعد أن أشهر إسلامه فى الأزهر، حيث جاء للقاهرة خصيصاً لذلك وأنجبت منه شامل وعلى.
وفى خلال ذلك كان فاروق يعتمد كثيرا على مساعدات الملك عبدالعزيز آل سعود، الذى كان فاروق أول من أقام علاقات معه وزاره فى المملكة ودعاه لزيارة مصر. وبعد وفاة الملك عبدالعزيز انخفض- كما لاحظ كثيرون- مؤشر إنفاق فاروق، وكان جزء من أمواله قد استولى عليه النصابون الذين وقع فى أيديهم واستنزفوه.
■ ■ ■
فى كتاب «شاهدة على انحرافات صلاح نصر» كتبت اعتماد خورشيد، التى كانت قريبة من رئيس المخابرات القوى، أن صلاح نصر حضر يوما إلى فيلتها وهو مخمور، وأبلغها بأنه فى انتظار مكالمة مهمة من الخارج. وبالفعل جاءته مكالمتان تحملان خبر وفاة فاروق. الأولى من شخص إيطالى، والثانية من إبراهيم بغدادى الذى كان فى إيطاليا، تفيد بأن المهمة نُفذت بنجاح (مع المخابرات الإيطالية)، وبأنه تم وضع نوع من سم الأكونتين فى الجمبرى الذى أكله فاروق وهو لا يظهر فى التشريح...
salahmont@ahram.org.eg